بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وخير الخلق اجمعين وبعد:
فيما يلي حديثٌ
عن فضل أحد مواسم الخير المُتجدد في حياة المسلم ، والمُتمثل في الأيام العشرة الأولى
من شهر ذي الحجة وما لها من الفضل والخصائص ، وبيان أنواع العبادات والطاعات المستحبه
فيها :
أولاً / في القرآن
الكريم :
وردت الإشارة إلى
فضل هذه الأيام العشرة في بعض آيات القرآن الكريم ، ومنها قوله تعالى : { وَأَذِّنْ
فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ
كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي
أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ } ( سورة الحج : الآيتان 27 -28 ) . حيث أورد ابن كثير
في تفسير هذه الآية قوله : " عن ابن عباس رضي الله عنهما : الأيام المعلومات أيام
العشر " ( ابن كثير ، 1413هـ ، ج 3 ، ص 239 ) .
كما جاء قول الحق
تبارك وتعالى : { وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ } ( سورة الفجر : الآيتان 1 – 2
) . وقد أورد الإمام الطبري في تفسيره لهذه الآية قوله : " وقوله : " وَلَيَالٍ
عَشْرٍ " ، هي ليالي عشر ذي الحجة ، لإجماع الحُجة من أهل التأويل عليه
" ( الطبري ، 1415هـ ، ج 7 ، ص 514 ) .
وأكد ذلك ابن كثير
في تفسيره لهذه الآية بقوله : " والليالي العشر المراد بها عشر ذي الحجة كما قاله
ابن عباسٍ وابن الزبير ومُجاهد وغير واحدٍ من السلف والخلف " ( ابن كثير ،
1414هـ ، ج 4 ، ص 535 ) .
وهنا يُمكن القول
: إن فضل الأيام العشر من شهر ذي الحجة قد جاء صريحاً في القرآن الكريم الذي سماها
بالأيام المعلومات لعظيم فضلها وشريف منزلتها.
ثانياً / في السنة
النبوية :
ورد ذكر الأيام
العشر من ذي الحجة في بعض أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي منها
:
الحديث الأول
: عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال : يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
: " ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيامِ ( يعني أيامَ
العشر ) . قالوا : يا رسول الله ، ولا الجهادُ في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهادُ في
سبيل الله إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجعْ من ذلك بشيء " ( أبو داود ، الحديث
رقم 2438 ، ص 370 ) .
الحديث الثاني
: عن جابرٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال :" إن العشرَ عشرُ الأضحى ، والوترُ يوم عرفة ، والشفع يوم النحر "(
رواه أحمد ، ج 3 ، الحديث رقم 14551 ، ص 327 ).
الحديث الثالث
: عن جابر رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: " ما من أيامٍ أفضل عند الله من أيامَ عشر ذي الحجة ". قال : فقال
رجلٌ : يا رسول الله هن أفضل أم عِدتهن جهاداً في سبيل الله ؟ قال : " هن أفضل
من عدتهن جهاداً في سبيل الله " ( ابن حبان ، ج 9 ، الحديث رقم 3853 ، ص 164
) .
الحديث الرابع
: عن ابن عباس – رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
: " ما من عملٍ أزكى عند الله ولا أعظم أجراً من خيرٍ يعمله في عشر الأضحى . قيل
: ولا الجهادُ في سبيل الله ؟ . قال : " ولا الجهادُ في سبيل الله إلا رجلٌ
خرج بنفسه وماله فلم يرجعْ من ذلك بشيء . قال وكان سعيد بن جُبيرٍ إذا دخل أيام العشر
اجتهد اجتهاداً شديداً حتى ما يكاد يُقدرُ عليه " ( رواه الدارمي ، ج 2 ، الحديث
رقم 1774 ، ص 41 ).
الحديث الخامس
: عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
: " أفضل أيام الدنيا أيام العشر يعني عشر ذي الحجة ". قيل : ولا مثلهن
في سبيل الله ؟ . قال " ولا مثلهن في سبيل الله إلا من عفّر وجهه في التُراب
" (رواه الهيثمي ، ج 4 ، ص 17 ).
ثالثا / خصائص
الأيام العشر :
للأيام
العشر الأول من شهر ذي الحجة خصائص كثيرة ، نذكرُ منها ما يلي :
(1) أن الله
سبحانه وتعالى أقسم بها في كتابه الكريم فقال عز وجل : { وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ
عَشْرٍ } ( سورة الفجر : الآيتان 1 -2 ). ولاشك أن قسمُ الله تعالى بها يُنبئُ عن شرفها
وفضلها .
(2) أن الله تعالى
سماها في كتابه " الأيام المعلومات " ، وشَرَعَ فيها ذكرهُ على الخصوص فقال
سبحانه : { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ } ( سورة الحج
: الآية 28 ) ، وقد جاء في بعض التفاسير أن الأيام المعلومات هي الأيام العشر الأول
من شهر ذي الحجة .
(3) أن الأعمال
الصالحة في هذه الأيام أحب إلى الله تعالى منها في غيرها؛ فعن عبد الله بن عمر
رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" ما من أيام أعظم عند الله ، ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا
فيهن من التكبير والتهليل والتحميد " ( رواه أحمد ، مج 2 ، ص 131 ، الحديث رقم
6154 ).
(4) أن فيها (
يوم التروية ) ، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة الذي تبدأ فيه أعمال الحج .
(5) أن فيها (
يوم عرفة ) ، وهو يومٌ عظيم يُعد من مفاخر الإسلام ، وله فضائل عظيمة ، لأنه يوم مغفرة
الذنوب والتجاوز عنها ، ويوم العتق من النار ، ويوم المُباهاة فعن أم المؤمنين عائشة
-رضي الله عنها-أنها قالت : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" ما من يومٍ أكثر من أن يُعتق الله عز وجل فيع عبداً من النار ، من يوم عرفة
، وإنه ليدنو ثم يُباهي بهم الملائكة ، فيقول : ما أراد هؤلاء ؟ " ( رواه مسلم
، الحديث رقم 3288 ، ص 568 ).
(6) أن فيها (
ليلة جَمع ) ، وهي ليلة المُزدلفة التي يبيت فيها الحُجاج ليلة العاشر من شهر ذي الحجة
بعد دفعهم من عرفة .
(7) أن فيها فريضة
الحج الذي هو الركن الخامس من أركان الإسلام .
(8) أن فيها (
يوم النحر ) وهو يوم العاشر من ذي الحجة ، الذي يُعد أعظم أيام الدُنيا كما روي عن
عبد الله بن قُرْط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن أعظم
الأيام عند الله تبارك وتعالى يومُ النحر ، ثم يوم القَرِّ " ( رواه أبو داود
، الحديث رقم 1765 ، ص 271 ) .
(9) أن الله تعالى
جعلها ميقاتاً للتقرُب إليه سبحانه بذبح القرابين كسوق الهدي الخاص بالحاج ، وكالأضاحي
التي يشترك فيها الحاج مع غيره من المسلمين .
(10) أنها أفضل
من الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان ؛ لما أورده شيخ الإسلام ابن تيمية وقد سئل
عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل ؟ فأجاب : " أيام عشر ذي
الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان ، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي
عشر ذي الحجة " ( ابن تيمية ، ................... ) .
(11) أن هذه الأيام
المباركات تُعد مناسبةً سنويةً مُتكررة تجتمع فيها أُمهات العبادات كما أشار إلى ذلك
ابن حجر بقوله : " والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أُمهات
العبادة فيه ، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج ، ولا يتأتى ذلك في غيره " (
فتح الباري ، .......................) .
(12) أنها أيام
يشترك في خيرها وفضلها الحُجاج إلى بيت الله الحرام ، والمُقيمون في أوطانهم لأن فضلها
غير مرتبطٍ بمكانٍ مُعينٍ إلا للحاج .
رابعا / أفضل
الاعمال في العشر الأوائل من ذي الحجه :
1-الإكثار من ذكر
الله سبحانه وتعالى ودعائه وتلاوة القرآن الكريم والتكبير والتهليل والتحميد لقوله
تبارك و تعالى : { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ } ( سورة
الحج : الآية 28).
ولما حث عليه الهدي
النبوي من الإكثار من ذكر الله تعالى في هذه الأيام على وجه الخصوص ؛ فقد روي عن عبد
الله بن عمر – رضي الله عنهما – أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: " ما من أيام أعظم عند الله ، ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر
، فأكثروا فيهن من التكبير ، والتهليل ، والتحميد " ( أحمد ، مج 2 ، ص 131 ، الحديث
رقم 6154 ) .
وهنا تجدر الإشارة
إلى أن بعض السلف كانوا يخرجون إلى الأسواق في هذه الأيام العشر ، فيُكبرون ويُكبر
الناس بتكبيرهم ، ومما يُستحب أن ترتفع الأصوات به التكبير وذكر الله تعالى سواءً عقب
الصلوات ، أو في الأسواق والدور والطرقات ونحوها .
كما يُستحب الإكثار
من الدعاء الصالح في هذه الأيام اغتناماً لفضيلتها ، وطمعاً في تحقق الإجابة فيها
.
2- الإكثار من
صلاة النوافل لكونها من أفضل القُربات إلى الله تعالى إذ إن " النوافل تجبر ما
نقص من الفرائض ، وهي من أسباب محبة الله لعبده وإجابة دعائه ، ومن أسباب رفع الدرجات
ومحو السيئات وزيادة الحسنات " ( عبد الله بن جار الله ، 1410هـ ، ص 181 ) .
وقد حث النبي
صلى الله عليه وسلم على الإكثار منها قولاً وعملاً ، وهو ما يؤكده الحديث الذي
روي عن ثوبان رضي الله عنه أنه قال : سألت عن ذلك رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال : " عليك بكثرة السجود لله ؛ فإنّك لا تسجد لله سجدةً
إلا رفعك الله بها درجةً ، وحطَّ عنك بها خطيئةً " ( رواه مسلم ، الحديث رقم
1093 ، ص 202).
3- ذبح الأضاحي
عبادة واجبة على القادر والتي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى في يوم النحر أو خلال
أيام التشريق ، عندما يذبح القُربان من الغنم أو البقر أو الإبل ، ثم يأكل من أُضحيته
ويُهدي ويتصدق ، وفي ذلك كثيرٌ من معاني البذل والتضحية والفداء ، والاقتداء بهدي النبوة
المُبارك .
4- الإكثار من
الصدقات المادية والمعنوية : لما فيها من التقرب إلى الله تعالى وابتغاء الأجر والثواب
منه سبحانه عن طريق البذل والعطاء والإحسان للآخرين ، قال تعالى : { مَنْ ذَا الَّذِي
يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ } ( سورة
الحديد :الآية 11) . ولما يترتب على ذلك من تأكيد الروابط الاجتماعية في المجتمع المسلم
من خلال تفقد أحوال الفقراء والمساكين واليتامى والمُحتاجين وسد حاجتهم . ثم لأن في
الصدقة أجرٌ عظيم وإن كانت معنويةً وغير مادية فقد ورد في الحديث عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال : " على كل مُسلمٍ صدقة " . فقالوا : يا نبي
الله ! فمن لم يجد ؟ قال : " يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق " . قالوا : فإن
لم يجد ؟ قال : " يُعين ذا الحاجة الملهوف " . قالوا : فإن لم يجد ؟ قال
: " فليعمل بالمعروف وليُمسك عن الشر فإنها له صدقةٌ " ( رواه البخاري ،
الحديث رقم 1445 ، ص 233 ) .
5- الصيام لكونه
من أفضل العبادات الصالحة التي على المسلم أن يحرص عليها لعظيم أجرها وجزيل ثوابها
، ولما روي عن صيام النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأيام المُباركة
؛ فقد روي عن هُنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسعَ ذي الحجة ،
ويوم عاشوراء ، وثلاثة أيامٍ من كُلِ شهر ، أول اثنين من الشهر والخميس " ( رواه
أبو داود ، الحديث رقم 2437 ، ص 370 ) .
وليس هذا فحسب
فالصيام من العبادات التي يُتقرب بها العباد إلى الله تعالى والتي لها أجرٌ عظيم فقد
روي عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال : " يُكفِّر السنة الماضية والباقية
" ( رواه مسلم ، الحديث رقم 2747 ، ص 477 ) .
6- قيام الليل
لكونه من العبادات التي حث النبي صلى الله عليه وسلم على المُحافظة عليها
من غير إيجاب ، ولأنها من العبادات التي تُستثمر في المناسبات على وجه الخصوص كليالي
شهر رمضان المُبارك ، وليالي الأيام العشر ونحوها. ثم لأن قيام الليل من صفات عباد
الرحمن الذين قال فيهم الحق سبحانه : { وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً
وَقِيَاماً } ( سورة الفرقان :الآية 64) . لأنهم يستثمرون ليلهم في التفرغ لعبادة الله
تعالى مُصلين مُتهجدين ذاكرين مُستغفرين يسألون الله تعالى من فضله ، ويستعيذونه من
عذابه .
7- أداء الحج والعمرة
: إن من أفضل ما يعمل في هذه العشر حج بيت الله الحرام ، فمن وفقه الله تعالى لحج بيته
وقام بأداء نسكه على الوجه المطلوب فله نصيب - إن شاء الله - من قول رسول الله صلى
الله عليه وسلم : ( الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ).
8- التوبة والإنابة
إلى الله تعالى إذ إن مما يُشرع في هذه الأيام المباركة أن يُسارع الإنسان إلى التوبة
الصادقة وطلب المغفرة من الله تعالى ، وأن يُقلع عن الذنوب والمعاصي والآثام ، ويتوب
إلى الله تعالى منها طمعاً فيما عند الله سبحانه وتحقيقاً لقوله تعالى : { وَتُوبُوا
إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } ( سورة
النور : من الآية 31 ) .
ولأن التوبة الصادقة
تعمل على تكفير السيئات ودخول الجنة بإذن الله تعالى لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب
له .
والى لقاء أخر ان شاء الله
وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
إرسال تعليق
الموقع غير مسؤل عن اى تعليقات ولتتذكر قول الله تعالى (( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))