0


العلمانية ،، التاريخ والفكرة

يتردد كثيراً في وسائل الإعلام والمنتديات وعلى المنابر مصطلح " العلمانية " , والقليل من الناس من غير المتخصصين من لديه معلومات دقيقة , أو مفاهيم محددة واضحة عن العلمانية, ولعلي في هذه الكتابة أسهم في بيان وتوضيح وكشف هذه الجوانب عن العلمانية , مع الاعتراف بصعوبة ذلك في الكتابة الصحفية , لما تستدعيه من الاختصار والإيجاز, ولما عودته الصحف للناس من البساطة والخطابية وعدم التوثيق العلمي الأكاديمي المتعارف عليه في الجامعات.
أصل العلمانية

ترجمة للكلمة الإنجليزية " secularism " , وهي من العلم فتكون بكسر العين , أو من العالم فتكون بفتح العين , وهي ترجمة غير أمينة ولا دقيقة ولا صحيحة , لأن الترجمة الحقيقية للكلمة الإنجليزية هي " لا دينية أو لا غيبية أو الدنيوية أو لا مقدس" , لكن المسوقون الأول لمبدأ العلمانية في بلاد الإسلام علموا أنهم لو ترجموها الترجمة الحقيقية لما قبلها الناس ولردوها ونفروا منها, فدلسوها تحت كلمة العلمانية لإيهام الناس أنها من العلم, ونحن في عصر العلم, أو أنها المبدأ العالمي السائد والمتفق عليه بين الأمم والشعوب غير المنحاز لأمة أو ثقافة .

وكان أول من طرح هذا المصطلح في الساحة الثقافية العربية نصارى بلاد الشام في القرن التاسع عشر , وكان أول من طرح هذا المصطلح - حسب علمي - " إلياس بقطور " وهو نصراني لبناني في معجم (عربي / فرنسي) ثم طرحه بعده " البستاني " في معجميه الذَين ألفهما .

• العلمانية بضاعة غربية :لقد نشأت العلمانية في الغرب نشأة طبيعية نتيجة لظروف ومعطيات  تاريخية - دينية واجتماعية وسياسية وعلمانية واقتصادية - خلال قرون من التدريج والنمو الطبيعي ، والتجريب والتكامل , حتى وصلت لصورتها التي هي عليها اليوم , وأهم هذه الظروف والمعطيات التي برزت وأنضجت التجربة العلمانية في الغرب هي : 1- طبيعة الديانة النصرانية ومبادئها الأساسية التي تقوم على الفصل بين الدين والدنيا , أو بين الكنيسة والدولة ونظم الحياة المختلفة , فهي ديانة روحية شعائرية لا شأن لها بنظم الحياة وشؤون الحكم والمجتمع , يعبر عن ذلك الشاعر النصراني " دع ما لله لله , وما لقيصر لقيصر " ..! ولهذا فإن النصارى أمماً وشعوباً حين يندفعون للبحث عن تنظيم  أمور حياتهم, في العلمانية أو غيرها, لا يشعرون بأي حرج من ناحية دينهم ومعتقداتهم , بل إن طبيعة دينهم تدفعهم لهذا الأمر , ولذلك فإن نشأة العلمانية وانتشارها وسيادتها في المجتمعات الغربية أمر طبيعي . 2- الصراع الذي نشأ بين الكنيسة والكشوف العلمية في جوانب الحياة المختلفة , فعلى الرغم من أن الديانة النصرانية ديانة روحية صرفة إلا أن المؤسسة الكنسية تبنت بعض النظريات العلمية القديمة في بعض العلوم , ثم بمرور الزمن جعلتها جزء من الدين يحكم على كل من يخالفها بالردة والمروق والهرطقة , وحين تطورت العلوم الطبيعية تبين أن الكثير من تلك النظريات كانت خاطئة وخلاف الصواب والحقيقة , وانبرت الكنيسة تدافع عن تلك الأخطاء باعتبارها من الدين , واشتعلت الحرب , وسقط ضحايا التزمت الخرافي والتعصب الأعمى غير المبرر من علماء الطبيعة ما بين مقتول ومحروق ومشنوق , ومارست الكنيسة أقصى درجات القمع الفكري والبدني على معارضيها بزعمها , وجنت الكنيسة على الدين حين صورته للناس دين الخرافة والدجل والكذب , بسبب إصرارها على أن تنسب إليه ما هو منه براء .
وحين تكشفت للناس الحقائق وقامت البراهين القاطعة على صحة أقوال أهل العلم انحازوا للحقيقة ونبذوا الكنسية ودينها ، أو على الأصح ردوا الديانة النصرانية المحرفة إلى أصلها وطبيعتها وحقيقتها ، لا شأن لها بالعلم والحياة والنظم والكشوف ، فكان ذلك دفعة جديدة لسادة العلمانية ، تدعمها الكشوف العلمية والعقول المفكرة ، وقد أدى انتصار العلم في النهاية إلى ثورة علمية وكشوف جغرافية ، فكان أن … :
3- قامت في الغرب حركة اجتماعية فكرية سياسية شاملة نفضت غبار الماضي ، وثارت على كل قديم ، واحتدمت نيران الصراع بين القوى الاجتماعية والسياسية الجديدة والقوى القديمة التي يمثلها الإقطاع وطبقات النبلاء ، وانحازت الكنيسة أيضاً للقوى القديمة ، بينما كانت القوى الجديدة تطالب بالحريات المساواة ، وترفع شعار حقوق الإنسان ، ويدعمها العلم وحقائقه ، وتطور الحياة وسنتها ... فالتفت الشعوب والجماهير حول القوى الجديدة الداعية إلى التقدم الاجتماعي والتطور الفكري والسياسي ، وكان يدعم هذا التوجه ما عاشته الشعوب من ظلم واستغلال بشع في ظل الإقطاع والكنيسة ، وكانت العلمانية اللادينية هي اللافتة والراية التي اجتمعت القوى الجديدة تحتها, وبانتصار هذه القوى انتصرت العلمانية, واندحرت النصرانية وأخذت القوى الجديدة تبشر بعصر جديد يسعد فيه  الإنسان، وتحل جميع مشكلاته، ويعم السلام والرفاهية والرخاء جميع الشعوب، وهو ما لم يتحقق إلا بعضه كما سنرى بعد قليل .
• نتائج العلمانية في الغرب :
حين تحرر الإنسان الغربي من سيطرة الكنيسة والإقطاع تحرر من سيطرة الخرافة والدجل والظلم، ورافق ذلك بزوغ فجر التقدم الصناعي والثورة العلمية، وحين أخذت الشعوب الغربية بالنهج العلماني الجديد في إطار المستجدات العلمية والفكرية والسياسية الجديدة كانت نتائج ذلك :

أ- التقدم العلمي الهائل :إذ أن العقل الغربي الذي كان أسير الأساطير تاريخياً، والخرافة دينياً وعلمياً، تحرر من ذلك كله وانطلق يبحث ويجرب ويفكر ويتقصى ، فأبدع في هذا المجال بما لم تعرفه البشرية في تاريخها، وقدم الغرب للإنسانية من نتائج علمه ثورة صناعية هائلة غيرت وجه الأرض وطبيعة علاقة الإنسان بالبيئة المادية من حوله .
ب- الرخاء الاقتصادي الواسع الذي أصبحت تعيشه الشعوب الغربية ولم تحرمه شعوب العالم الأخرى :إذ إن منجزات العلم وظفت في العديد من جوانبها لرفاهية الإنسان في ضرورياته من غذاء وكساء وعلاج وسكن وخدمات، بل تجاوز كثير من الشعوب توفير الضروريات إلى التوسع في الكماليات بصورة مميزة لم تعرف لها البشرية مثيلاً في الجملة وبصورة عامة .
ج- الاستقرار السياسي : واستبعاد صور وأشكال العنف في التعبير عن الآراء والتوجهات السياسية ، وترسيخ آليات وأخلاقيات وقوانين وأعراف للحوار أو الصراع السياسي، وتوفير ضمانات للحريات السياسية في آلياته ووسائله وأساليبه- لا في فلسفته ومحتواه الفكري- أمن وسلام على الشعوب الغربية بعد عصور الدماء والتطاحن والثورات ، وأصبح مثالاً يحتذى من كافة شعوب الأرض ، ويسعى الجميع لاستيراده وتطبيقه باعتباره نهاية التاريخ ، وغاية التطور، وسقف الحضارة الذي لا يمكن تجاوزه .
د- احترام حقوق الإنسان وحرياته :وبالذات الإنسان الغربي، وبالمفهوم الغربي أيضا للحقوق والحريات، حيث أصبح زعيم أكبر وأقوى دولة في العالم يحقق معه ويحاكم كأي فرد مهما ضعف وتضاءل من شعبه، وبحيث أصبحت السيادة للقانون، ودور السلطة هو حماية القانون وتنفيذه وخدمة الأمة وحمايتها والنزول على رأيها ورغبتها، مع الأخذ في الاعتبار أن المفاهيم الغربية عن حقوق الإنسان والحريات ليست هي المفاهيم الصحيحة ، ولا الأولى والأجدى لحياة الإنسان ، بسبب منطلقاتها المادية الإلحادية الإباحية، لكنها بلا شك تحتوي على قدر لا بأس به من قيم العدل والمساواة والإنصاف بمعايير القوانين الوضعية .هـ - انتشار الإلحاد بجميع صوره وأشكاله في حياة الغربيين :نتيجة لهزيمة الكنيسة والدين في مواجهة العلمانية ، مما أدى لتحييد الدين عن شئون الحياة العامة، واقتصاره على الجانب الفردي الاختياري في حياة الإنسان ولأول مرة في تاريخ البشرية تقوم دول وأنظمة ومعسكرات عالمية تتبنى الإلحاد في أشد صوره غلواً وتطرفاً ومادية ، وتصادم فطرة الإنسان , وتصادر ضرورات العقل في الإيمان ومستلزماته تحت شعار تقديس العقل ، وإنما هو تسفيه العقل والعياذ بالله .و- السيطرة الغربية على شعوب العالم الأخرى ، واستعمارها، واستعبادها ، واستغلال خيراتها ، والتنافس بين الدول الغربية في ذلك :مما تسبب في قيام حربين عالميتين ذهب ضحيتها عشرات الملايين من البشر ، وما زال التهديد قائماً بحرب ثالثة قد تكون سببا في دمار الأرض والقضاء على الحضارة البشرية ومنجزاتها عبر التاريخ, فالغرب نتيجة للثورة العلمية والقوة الاقتصادية والكشوف الجغرافية وتراجع المد الإسلامي في الأندلس وغيرها ، أخذت أساطيله تمخر عباب البحار والمحيطات، وتتسابق للاستيلاء على الممالك والأقاليم، وتقاسمت العالم ، ونهبت ثرواته، واستغلت شعوبه، وصادرت عقائده، وتجاهلت خصائص كل أمة وقيمها وثقافتها، وقامت حروب التحرر المقاومة للاستعمار، وسالت دماء الشعوب أنهاراً، وتم في النهاية جلاء القوى العسكرية الاستعمارية من أغلب بقاع العالم، ولكن بعد أن فرض الغرب رؤيته وأفكاره وأيديولوجيته، وربى على ذلك النخب الفكرية والسياسية في شعوب ما سمي بالعالم الثالث، وسلّمها زمام الأمر من بعده، فواصلت حمل راية العلمانية، وتطرفت في تطبيقها بالحديد والنار كما سترى فيما يأتي من حديث  .ز - العجز عن حل المعضلة الإنسانية التاريخية في غرس اليقين والطمأنينة في نفس الإنسان، والإجابة على تساؤلاته الكبرى المصيرية الملازمة له عبر تاريخه عن حقيقة  وجود وبيان ماهيته ورسالته ودوره ووظيفته وإلى أين مآله ومصيره ونهايته .
هذا الأمر الذي كان محور اهتمام المذاهب والفلسفات والمبادئ والنظريات ، وموضوع الملل والنحل والرسالات السماوية هو ما بشرت العلمانية في بداياتها بأنها بالعلم ستصل فيه إلى الإجابات الشافية الكافية وأنه لا مشكلة للإنسان بعد اليوم .
ولكن ها نحن بعد أن عاشت الحضارة الغربية قرابة ثلاثة قرون في ظل العلمانية نرى الإنسان الغربي  يعيش مأزقا نفسيا روحياً فكرياً وجودياً أشد عمقاً وتأزماً من مأزقه حين بشرت العلمانية بحل معضلته ، على الرغم من التقدم المادي والرفاه المعيشي الذي يعيشه هذه الأيام وصدق القائل سبحانه ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكَا ).

• وسائل وطرائق العلمانية من الغرب للشرق: 
لقد بزغ نجم العلمانية وعلا شأنه في الغرب في ظل الظروف التي أشرنا إليها ، وقد صاحب ظهورها في الغرب انحطاط وتخلف وهزائم في الشرق، مما أتاح للغرب أن يستلم زمام قيادة ركب الحضارة البشرية بما أبدعه من علم وحضارة ، وما بذله من جهد وتضحية ، فكان أمراً طبيعياً أن يسعى الغرب لسيادة نموذجه الحضاري الذي يعيشه وأن يسوقه بين أمم الأرض لأنه بضاعته التي لا يملك غيرها ،  ولأنه أيضا الضمانة الكبرى لبقاء الأمم الأخرى تدور في فلك التبعية له وتكدح في سبيل مدنيته وازدهار حضارته ، وكان تسويق الغرب للعلمانية في الشرق الإسلامي من خلال الوسائل والطرق الآتية :
1- من خلال الاحتلال العسكري الاستعماري :فقد وفدت العلمانية إلى الشرق في ظلال الحرب العسكرية، وعبر فوهات مدافع البوارج البحرية، ولئن كانت العلمانية في الغرب نتائج ظروف ومعطيات محلية متدرجة عبر أزمنة متطاولة، فقد ظهرت في الشرق وافداً أجنبياً متكامل الرؤى والإيديولوجيات والبرامج ، يطبق تحت تهديد السلاح وبالقسر والإكراه، كمن يصرّ على استنبات نبتات القطب الجليدي في المناطق الاستوائية ، وفي هذا من المصادمة لسنن الله في الحياة ما يقطع بفشل التجربة قبل تطبيقها، لأن الظروف التي نشأت فيها العلمانية وتكامل مفهومها عبر السنين تختلف اختلافاً جذرياً عن ظروف البلدان التي جلبت إليها جاهزة متكاملة في الجوانب الدينية والأخلاقية والاجتماعية والتاريخية والحضارية ، فالشرط الحضاري الاجتماعي التاريخي الذي أدى إلى نجاح العلمانية في الغرب مفقود في الشرق بل في الشرق نقيضة تماماً - و أعني بالشرق هنا الشرق الإسلامي - , ولذلك فلا عجب إن كانت النتائج مختلفة تماماً كما سنرى , وحين نشأت الدولة العربية الحديثة كانت عالة على الغربيين الذين كانوا حاضرين خلال الهيمنة الغربية في المنطقة ومن خلال المستشارين الغربيين أو من درسوا في الغرب واعتنقوا العلمانية ، فكانت العلمانية في أحسن الأحوال أحد المكونات الرئيسية للإدارة في مرحلة تأسيسها وهكذا بذرت بذور العلمانية على المستوى الرسمي قبل جلاء جيوش الاستعمار عن البلاد التي ابتليت بها .2- من خلال البعثات التي ذهبت من الشرق إلى الغرب لطلب العلم والتقدم , فعاد الكثير منها بالعلمانية لا بالعلم ، ذهبوا لدراسة الفيزياء والأحياء والكيمياء والجيولوجيا والفلك والرياضيات فعادوا بالأدب واللغات والاقتصاد والسياسة والعلوم الاجتماعية والنفسية ، بل وبدراسة الأديان وبالذات الدين الإسلامي في الجامعات الغربية ، ولك أن تتصور حال شاب مراهق ذهب يحمل الشهادة الثانوية ويلقى به بين أساطين الفكر العلماني الغربي على اختلاف مدارسه ، بعد أن يكون قد سقط إلى شحمة أذنيه في حمأة الإباحية والتحلل الأخلاقي وما أوجد كل ذلك لديه من صدمة نفسية واضطراب فكري ، ليعود بعد عقد من السنين بأعلى الألقاب الأكاديمية ، وفي أهم المراكز العلمية بل  والقيادية في وسط أمة أصبح ينظر إليها بازدراء ، وإلى تاريخها بريبة واحتقار ، وإلى قيمها ومعتقداتها وأخلاقها - في أحسن الأحوال - بشفقة ورثاء . إنه لن يكون بالضرورة إلا وكيلاً تجارياً لمن علّموه وثقّفوه ومدّنوه ، وهو لا يملك غير ذلك ، ولئن كان هذا التوصيف للبعثات الدراسية ليس عاماً ، فإنه الأغلب وبالذات في أوائل عصر البعثات ، وما " طه حسين " و" رفاعة الطهطاوي " إلا أمثلة خجلى أمام غيرهم من الأمثلة الصارخة الفاقعة اللون مثل " زكي نجيب محمود" و" محمود أمين العالم " و"فؤاد زكريا" و "عبدالرحمن بدوي" وغيرهم الكثير .. ولئن كان هذا الدور للبعثات العلمية تم ابتداء من خلال الابتعاث لعواصم الغرب فإن الحواضر العربية الكبرى مثل "القاهرة - بغداد - دمشق" أصبحت بعد ذلك من مراكز التصدير العلماني للبلاد العربية الأخرى، من خلال جامعاتها وتنظيماتها وأحزابها وبالذات لدول الجزيرة العربية , وقلّ من يسلم من تلك اللوثات الفكرية العلمانية، حتى أصبح في داخل الأمة طابور خامس ، وجهته غير وجهتها وقبلته غير قبلتها ، وإنهم لأكبر مشكلة تواجه الأمة لفترة من الزمن ليست بالقليلة .3- من خلال البعثات التبشيرية :فالمنظمات التبشيرية النصرانية التي جابت العالم الإسلامي شرقاً وغرباً من شتى الفرق والمذاهب النصرانية جعلت هدفها الأول زعزعة ثقة المسلمين في دينهم ، وإخراجهم منه ، وتشكيكهم فيه ، حتى وإن لم يعتنقوا النصرانية ، وليس أجدى من العلمانية وسيلة لهذا الغرض ، والأمر ليس من باب التخمين والافتراض بل نطقت بهذا أفواههم وخطته أقلامهم ، وإن شئت فارجع إلى كتاب "الغارة على العالم الإسلامي" مثلا ليبين لك ذلك .
وهؤلاء المبشرين : إما من الغربيين مثل "زويمر" و "دنلوب", وإما من نصارى العرب مثل "أديب إسحاق" و "شلبي شميل" و "سلامة موسى" و "جرجي زيدان " وأضرابهم .. ومنهم من كان يعلن هويته التبشيرية ويمارس علمنة أبناء المسلمين "كزويمر"ومنهم من كان يعلن علمانيته فقط ، ويبذل جهده في ذلك "كسلامة موسى"و"شبلي شميل" .
4- من خلال المدارس والجامعات الأجنبية : ففي أواخر الدولة العثمانية وحين سيطر الماسونيون العلمانيون على مقاليد الأمر سمح للبعثات التبشيرية والسفارات الغربية بإنشاء المدارس والكليات، وانتشرت في بلاد الشام والأناضول انتشار النار في الهشيم ، وخرجت أجيال من أبناء وبنات المسلمين أصبحوا بعد ذلك قادة الفكر والثقافة ودعاة التحرير والانحلال . ومن الأمثلة على ذلك الجامعة الأمريكية في بيروت ، والتي في أحضانها نشأت العديد من الحركات والجمعيات العلمانية، وقد سرت العدوى بعد ذلك إلى الكثير من الجامعات والمؤسسات التعليمية الرسمية في العديد من البلاد العربية والإسلامية ، وقد قام خريجوا هذه المدارس والجامعات بممارسة الدور نفسه حين عادوا لبلدانهم أو ابتعثوا للتدريس في بعض البلدان الأخرى ، وإن المتابع لما ينشر من مذكرات بعض العلمانيين في البلاد التي لم تبتلى بهذه المدارس ليتبين له بجلاء ووضوح الدور الكبير الذي قام به العلمانيون العرب من الذين استقدموا للتدريس في تربية طلابهم وإقناعهم بالعلمانية، سواء من خلال التنظيمات الحزبية أو من خلال البناء الفكري الثقافي لأولئك الطلاب .5- من خلال الجمعيات والمنظمات والأحزاب العلمانية : التي انتشرت في الأقطار العربية والإسلامية، مابين يسارية وليبرالية وقومية وأممية وسياسية واجتماعية وثقافية وأدبية، بجميع الألوان والأطياف وفي جميع البلدان, حيث أن النخب الثقافية في غالب الأحيان كانوا إما من خريجي الجامعات الغربية أو الجامعات السائرة على النهج ذاته في الشرق، وبعد أن تكاثروا في المجتمع عمدوا إلى إنشاء الأحزاب القومية أو الشيوعية أو الليبرالية ، وجميعها تتفق في الطرح العلماني ، وكذلك أقاموا الجمعيات الأدبية والمنظمات الإقليمية أو المهنية ، وقد تختلف هذه التجمعات في أي شيء إلا في تبني العلمانية , والسعي لعلمنة الأمة كل من زاوية اهتمامه، والجانب الذي يعمل من خلاله .
ومن الأمور اللافتة للنظر أن أشهر الأحزاب العلمانية القومية العربية إنما أسسها نصارى بعضهم ليسوا من أصول عربية، أمثال "ميشيل عفلق" و"جورج حبش" ، والكثرة الساحقة من الأحزاب الشيوعية العلمانية إنما أسسها يهود مليونيرات أمثال "كوريل".
6- من خلال البعثات الدبلوماسية :سواء كانت بعثات للدول الغربية في الشرق، أو للدول الشرقية في الغرب، فقد أصبحت في الأعم الأغلب جسوراً تمر خلالها علمانية الغرب الأقوى إلى الشرق الأضعف من خلال الإيفاد ، و من خلال المنح الدراسية وحلقات البحث العلمي، والتواصل الاجتماعي، والمناسبات والحفلات ، ومن خلال الضغوط الدبلوماسية والابتزاز الاقتصادي، وليس بِسِرٍّ أن بعض الدول الكبرى أكثر أهمية وسلطة من القصر الرئاسي أو مجلس الوزراء في تلك الدول  الضعيفة التابعة .7- من خلال وسائل الإعلام المختلفة :من مسموعة أو مرئية أو مقروءة، لأن هذه الوسائل كانت من الناحية الشكلية من منتجات الحضارة الغربية- صحافة أو إذاعة أو تلفزة - فاستقبلها الشرق واستقبل معها فلسفتها ومضمون رسالتها، وكان الرواد في تسويق هذه الرسائل وتشغيلها والاستفادة منها إما من النصارى أو من العلمانيين من أبناء المسلمين , فكان لها الدور الأكبر في الوصول لجميع طبقات الأمة ، ونشر مبادئ وأفكار وقيم العلمانية ، وبالذات من خلال الفن ، وفي الجانب الاجتماعي بصورة أكبر .
هكذا سرت العلمانية في كيان الأمة ، ووصلت إلى جميع طبقاتها قبل أن يصلها الدواء والغذاء والتعليم في كثير من الأحيان، فكان كما يقول المثل "ضغث على إبالة"، ولو كانت الأمة حين تلقت هذا المنهج العصري تعيش في مرحلة قوة وشموخ وأصالة لوظفت هذه الوسائل الإعلامية توظيفاً آخر يتفق مع رسالتها وقيمها وحضارتها وتاريخها وأصالتها .
8- من خلال التأليف والنشر في فنون شتى من العلوم وبالأخص في الفكر والأدب :
فقد جاءت العلمانية وافدة في كثير من الأحيان تحت شعارات المدارس الأدبية المختلفة، متدثرة بدعوى رداء التجديد والحداثة، معلنة الإقصاء والإلغاء والنبذ والإبعاد لكل قديم في الشكل والمضمون وفي الأسلوب والمحتوى, ومثل ذلك في الدراسات الفكرية المختلفة في علوم الاجتماع والنفس والعلوم الإنسانية المختلفة، حيث قدمت لنا نتائج كبار ملاحدة الغرب وعلمانييه على أنه الحق الطلق، بل العلم الأوحد ولا علم سواه في هذه الفنون . وتجاوز الأمر التأليف والنشر إلى الكثير من الكليات والجامعات والأقسام العلمية التي تنتسب لأمتنا اسماً ولغيرها حقيقة ، وإن كان الأمر في أقسام العلوم الأخرى من طب وهندسة ورياضيات وفيزياء وكيمياء وأمثالها يختلف كثيرا ولله الحمد والمنة ، وهي الأقسام التي وجهها أبناء الأمة الأصلاء ممن لم يتلوثوا بلوثات العلمانية، فحاولوا أن ينقلوا للأمة ما يمكن أن تستفيد منه من منجزات التقدم الغربي مع الحفاظ على هويتها وأصالتها وقيمها .
9- من خلال الشركات الغربية الكبرى التي وفدت لبلاد المسلمين مستثمرة في الجانب الاقتصادي :
لكنها لم تستطع أن تتخلى عن توجهاتها الفكرية، وقيمها وأنماط حياتها الاجتماعية ، وهذا أمر طبيعي، فكانت من خلال ما جلبته من قيادات إدارية وعمالة فنية احتكت بالشعوب الإسلامية سبباً مهما في نشر الفكر العلماني وقيمه الاجتماعية و انعكاساته الأخلاقية والسلوكية، ولعل من المفارقات الجديرة بالتأمل، أن بعض البلدان التي كانت تعمل فيها بعض الشركات الغربية الكبرى من أمريكية وبريطانية لم تبتلى بالتنظيمات اليسارية، ولم تنشأ إلا في هذه الشركات في أوج اشتعال الصراع بين المعسكر الشيوعي والمعسكر الغربي.

• بعض ملامح العلمانية الوافدة:
لقد أصبح حَمَلة العلمانية الوافدة في بلاد الشرق بعد مائة عام من وفودهم تياراً واسعاً منفذاً غالباً على نخبة الأمة وخاصتها في الميادين المختلفة, من فكرية واجتماعية وسياسية واقتصادية ، وكان يتقاسم هذا التيار الواسع في الجملة اتجاهان :
أ- الاتجاه اليساري الراديكالي الثوري، ويمثله - في الجملة - أحزاب وحركات وثورات ابتليت بها المنطقة ردحاً من الزمن ، فشتت شمل الأمة ومزقت صفوفها ، وجرت عليها الهزائم والدمار والفقر وكل بلاء ، وكانت وجهة هؤلاء الاتحاد السوفييتي قبل سقوطه، سواء كانوا شيوعيين ، أو قوميين عنصريين .ب- الاتجاه الليبرالي ذي الوجهة الغربية لأمريكا ومن دار في فلكها من دول الغرب ، وهؤلاء يمثلهم أحزاب وشخصيات قد جنوا على الأمة بالإباحية والتحليل والتفسخ والسقوط الأخلاقي والعداء لدين الأمة وتاريخها .
• وللاتجاهين ملامح متميزة أهمها :
1- مواجهة التراث الإسلامي ، إما برفضه بالكلية واعتباره من مخلفات عصور الظلام والانحطاط والتخلف - كما عند غلاة العلمانية - ، أو بإعادة قراءته قراءة عصرية - كما يزعمون - لتوظيفه توظيفاً علمانياً من خلال تأويله على خلاف ما يقتضيه سياقه التاريخي من قواعد شرعية، ولغة عربية، و أعراف اجتماعية. ولم ينجو من غاراتهم تلك حتى القرآن و السنة ، إمّا بدعوى بشرية الوحي ، أو بدعوى أنه نزل لجيل خاص أو لأمة خاصة ، أو بدعوى أنها مبادئ أخلاقية عامة ، أو مواعظ ورقائق روحية لا شأن لها بتنظيم الحياة ، ولا ببيان العلم وحقائقه ، ولعل من الأمثلة الصارخة للرافضين للتراث ، والمتجاوزين له "أدونيس" و "محمود درويش" و "البياتي" و "جابر عصفور" ومن لفّ لفهم وشايعهم وهم كثر لا كثرهم الله .
أما الذين يسعون لإعادة قراءته وتأويله وتوظيفه فمن أشهرهم "حسن حنفي" و "محمد أركون"و "محمد عابد الجابري" و "حسين أمين" ومن على شاكلتهم ، ولم ينجُ من أذاهم شيء من هذا التراث في جميع جوانبه .
2- اتهام التاريخ الإسلامي بأنه تاريخ دموي استعماري عنصري غير حضاري ، وتفسيره تفسيراً مادياً ، بإسقاط نظريات تفسير التاريخ الغريبة العلمانية على أحداثه، وقراءته قراءة انتقائية غير نزيهة ولا موضوعية، لتدعيم الرؤى والأفكار السوداء المسبقة حيال هذا التاريخ ، وتجاهل ما فيه من صفحات مضيئة مشرقة ، والخلط المتعمد بين الممارسة البشرية والنهج الإسلامي الرباني ، ومحاولة إبراز الحركات الباطنية والأحداث الشاذة النشاز وتضخيمها، والإشادة بها ، والثناء عليها ، على اعتبار أنها  حركات التحرر والتقدم والمساواة والثورة على الظلم مثل "ثورة الزنج" و "ثورة القرامطة" ومثل ذلك الحركات الفكرية الشاذة عن الإسلام الحق ، وتكريس فكرة مفادها أنها من الإسلام بل هي الإسلام مثل القول بوحدة الوجود، والاعتزال وما شابه ذلك من أمور تؤدى في نهاية الأمر إلى تشويه الصور المضيئة للتاريخ الإسلامي لدى ناشئة الأمة، وأجياله المتعاقبة .3- السعي الدؤوب لإزالة أو زعزعة مصادر المعرفة والعلم الراسخة في وجدان المسلم ، والمسيرة المؤطرة للفكر والفهم الإسلامي في تاريخه كله ، من خلال استبعاد الوحي كمصدر للمعرفة والعلم ، أو تهميشه - على الأقل - وجعله تابعاً لغيره من المصادر كالعقل والحس ، وما هذا إلا أثر من آثار الإنكار العلماني للغيب ، والسخرية من الإيمان بالغيب ، واعتبارها - في أحسن الأحوال - جزء من الأساطير والخرافات والحكايات الشعبية ، والترويج لما يسمي بالعقلانية والواقعية والإنسانية ، وجعل ذلك هو البديل الموازي للإيمان في مفهومه الشرعي الأصيل ، وكسر الحواجز النفسية بين الإيمان و الكفر ، ليعيش الجميع تحت مظلة العلمانية في عصر العولمة . وفي كتابات " محمد عابد الجابري " و" حسن حنفي " و" حسين مروة " و" العروي " وأمثالهم الأدلة على هذا الأمر . 4- خلخلة القيم الخلقية الراسخة في المجتمع الإسلامي ، والمسيرة للعلاقات الاجتماعية القائمة على معاني الأخوة والإيثار والطهر والعفاف وحفظ العهود وطلب الأجر وأحاسيس الجسد الواحد ، واستبدال ذلك بقيم الصراع و الاستغلال والنفع وأحاسيس قانون الغاب والافتراس والتحلل والإباحية , من خلال الدراسات الاجتماعية والنفسية ، والأعمال الأدبية والسينمائية والتلفزيونية ، مما هز المجتمع الشرقي من أساسه ، ونشر فيه من الجرائم والصراع ما لم يعهده أو يعرفه في تاريخه ، ولعل رواية "وليمة عشاء لأعشاب البحر" - السيئة الذكر - من أحدث الأمثلة على ذلك، والقائمة الطويلة من إنتاج"محمد شكري" و "الطاهر بن جلون" و "الطاهر طار" و "تركي الحمد" وغيرهم الكثير تتزاحم لتؤدي دورها في هدم الأساس الخلقي الذي قام عليه المجتمع، واستبداله بأسس أخرى .5- رفع مصطلح الحداثة كلافتة فلسفية اصطلاحية بديلة لشعار التوحيد ، والحداثة كمصطلح فكري ذي دلالات محددة تقوم على مادية الحياة ، وهدم القيم والثوابت، ونشر الانحلال والإباحية ، وأنسنة الإله وتلويث المقدسات ، وجعل ذلك إطاراً فكرياً للأعمال الأدبية ، والدراسات الاجتماعية ، مما أوقع الأمة في أسوأ صور التخريب الفكري الثقافي .6- استبعاد مقولة الغزو الفكري من ميادين الفكر والثقافة ، واستبدالها بمقولة حوار الثقافات ، مع أن الواقع يؤكد أن الغزو الفكري حقيقة تاريخية قائمة لا يمكن إنكارها كإحدى مظاهر سنة التدافع التي فطر الله عليها الحياة ، وأن ذلك لا يمنع الحوار ، لكنها سياسة التخدير والخداع والتضليل التي يتبعها التيار العلماني ، ليسهل تحت ستارها ترويج مبادئ الفكر العلماني ، بعد أن تفقد الأمة مناعتها وينام حراس ثغورها ، وتتسلل في أجزائها جراثيم وفيروسات الغزو العلماني القاتل . 7- وصم الإسلام بالأصولية والتطرف وممارسة الإرهاب الفكري ، عبر غوغائية إعلامية غير شريفة ولا أخلاقية ، لتخويف الناس من الإلتزام بالإسلام ، والاستماع لدعاته ، وعلى الرغم من وقوع الأخطاء - وأحياناً الفظيعة - من بعض المنتمين أو المدعين إلى الإسلام ، إلا أنها نقطة في بحر التطرف والإرهاب العلماني الذي يمارس على شعوب بأكملها ، وعبر عقود من السنين ، لكنه عدم المصداقية والكيل بمكيالين ، والتعامي عن الأصولية والنصرانية واليهودية الموغلة في الظلامية والعنصرية والتخلف .8- تمييع قضية الحل والحرمة في المعاملات والأخلاق ، والفكر والسياسة ، وإحلال مفهوم اللذة والمنفعة والربح المادي محلها ، واستخدام هذه المفاهيم في تحليل المواقف والأحداث ، ودراسة المشاريع والبرامج ، أي فك الارتباط بين الدنيا والآخرة في وجدان وفكر وعقل الإنسان ، ومن هنا ترى التخبط الواضح في كثير من جوانب الحياة الذي يعجب له من نور الله قلبه بالإيمان ، ولكن أكثرهم لا يعلمون . 9- دق طبول العولمة واعتبارها القدر المحتوم الذي لا مفرمنه ولا خلاص إلا به ، دون التمييز بين المقبول والمرفوض على مقتضى المعايير الشرعية ، بل إنهم لَيصرخون بأن أي شئ في حياتنا يجب أن يكون محل التساؤل دون التفريق بين الثوابت والمتغيرات مما يؤدي إلى تحويل بلاد الشرق إلى سوق استهلاكية لمنتجات الحضارة الغربية ، والتوسل لذلك بذرائعيه نفعية محضة لا يسيرها غير أهواء الدنيا وشهواتها .10- الاستهزاء والسخرية والتشكيك في وجه أي محاولة لأسلمة بعض جوانب الحياة المختلفة المعاصرة في الاقتصاد والإعلام والقوانين ، ولعل الهجوم المستمر على المملكة العربية السعودية بسبب احتكامها للشريعة في الحدود والجنايات من هذا المنطلق ، وإن برّروا هجومهم وحقدهم تحت دعاوى حقوق الإنسان وحرياته ، ونسوا أو تناسوا الشعوب التي تسحق وتدمر وتقتل وتغصب بعشرات الآلاف ، دون أن نسمع صوتاً واحداً من هذه الأصوات النشاز يبكي لها ويدافع عنها ، لا لشيء إلا أن الجهات التي تقوم بانتهاك تلك الحقوق ، وتدمير تلك الشعوب أنظمة علمانية تدور في فلك المصالح الغربية .11- الترويج للمظاهر الاجتماعية الغربية ، وبخاصة في الفن والرياضة وشركات الطيران والأزياء والعطور والحفلات الرسمية وقضية المرأة ، ولكن كانت هذه شكليات ومظاهر لكنها تعبر عن قيم خلقية ، ومنطلقات عقائدية ، وفلسفة خاصة للحياة ، من هنا كان الاهتمام العلماني المبالغ فيه بموضة المرأة ، والسعي لنزع حجابها ، وإخراجها للحياة العامة ، وتعطيل دورها الذي لا يمكن أن يقوم به غيرها ، في تربية الأسرة ورعاية الأطفال ، وهكذا العلمانيون يفلسفون الحياة . يعطل مئات الآلاف من الرجال عن العمل لتعمل المرأة ، ويستقدم مئات الآلاف من العاملات في المنازل لتسد مكان المرأة في رعاية الأطفال ، والقيام بشؤون المنزل ، ولئن كانت بعض الأعمال النسائية يجب أن تناط بالمرأة ، فما المبرر لمزاحمتها للرجل في كل موقع ؟!12- الاهتمام الشديد والترويج الدائم للنظريات العلمانية الغربية في الاجتماع والأدب ، وتقديم أصحابها في وسائل الإعلام ، بل وفي الكليات والجامعات على أنهم رواد العلم ، وأساطين الفكر وعظماء الأدب ، وما أسماء "دارون" و "فرويد" و "دوركايم" ولا "الأنسنية" و "البنيوية" و "السريالية" وغير هذا الكثير مما لا يجهله المهتم بهذا الشأن ، وحتى أن بعض هذا قد يتجاوزه العلمانيون في الغرب ، ولكن صداه ما زال يتردد في عالم الأتباع في الشرق ، وكأننا نحتاج لعقود من الزمن ليفقه أبناؤنا عن أساتذتهم هذه المراجعات .
د . عـوض بن محمد الـقـرني

طرق الطرح العلماني
ليست أساليب وطرائق العلمانيين فـي طـرحـهــم للـمـبـدأ العلماني واحدة، بل هي متغيرة بحسب الزمان والمكان ، وهذه التغيرات قد تشمل أساليب الخطاب ، وقد تمتد إلى أساليب عرض المبدأ العلماني ، وهكذا ..، فبينما تطرح العلمانية فـي قـطــر معين على أنها مضادة للدين ، تطرح في قطر آخر على أنها موافقة للدين. وفي بلد ثالث تُفرض فيه  العلمانية ببطء وحذر شديدين حتى لا تلفت الأنظار إلا بعد كونها واقعاً لا مناص منه.
لقد كان كثير من العلمانيين في بدايات هذا القرن الميلادي لا يتقربون إلـى الـديـن وأهـلـه، وكانـت شـعـاراتـهـم تتراوح بين القومية والشيوعية والاشتراكية، ولكن حينما اشتد ساعد الصحوة، وبدأ المسلمون يشعرون بقيمة دينهم ، بدأ العلمانيون بكافة أصنافهم بالتقرب إلى الدين ، وبمحاولة إيجـاد صيغة تجمع بين علمانيتهم ومقاصدهم الشخصية وبين استغفال الشعوب المسلمة والاستخفاف بها من خلال التظاهر بالمظاهر الإسلامية!
فعلى سبيل المثال ، كان شبـلـي العيسمـي (السوري الدرزي الذي فرّ من سورية إلى العراق سنة 1967م) أحد منظِّري البـعـثـية في العالم العربي لا يأتي للإسلام بذكر فيما يقرب من عشرة مؤلفات صدرت حتى عام 1984م ، أمـا ما بعد ذلك فقد ألف عن كون العرب مادة للإسلام ، وعن "عروبة الإسلام"!! وكذلك كانت حال بقية المنظرين للعلمانية(1).
وكل هذا التغيير يدلنا على أن العلمانية ليست مقـنـعــة كمنهج في العالم الإسلامي ، لأن المسلم - مهما بلغ انحرافه - يشعر بارتباط الإسلام بالحيـاة العامة، ويشعر بكون الإسلام له سلطان على كافة أنحاء الحياة ومجالاتها، ولهذا نجد الـمسلم الذي لم تفسد فطرته لا يفكر في إمكانية الخروج عن شريعة الله ، ومن هذا المنطلق يرفـــض العلمانيون أن يُستفتى الشعب في إقرار أو منع الدستور العلماني ، لأنهم يعرفون حتمية خسرانهم.
وهذه التغيرات تدلنا أيضا على أن العلماني ليس له هدف سامٍ وهـــــو رفعة الوطن - كما يقول - بل هدفه هو الوصول لمصلحة شخصية، والأمثلة على هذا كثـيــرة ممـن كـانــــوا مـعـارضـيـن لأنظمتهم الحاكمة، ثم حينما اشتُريت مبادئهم بمنصب ودخل مادي انقلبوا مدافعين عن تلك الأنظمة !!
ويمكننا تقسيم أساليب الطرح العلماني إلى طرح مكشوف وآخر ملتوٍ مموّه!1 - الطرح الصريح : وهذا الأسـلـــــوب هو أسلوب العلمانيين الأقحاح ، الذين يستطيع المرء أن يصفهم بالغلو العلماني بلا تردد، لصراحتهم حول هذا المبدأ، وهؤلاء أمِنوا العقوبة لأنهم في بلد تحكمه العلمانية، والشــرائـع الجاهلية، التي تسمح لهؤلاء بالانتقاص من قدر الدين ، والتعدي عليه ، في حين تكمم أفواه الدعاة، والذين يريدون الدفاع عن دينهم!!ويرتكز هذا الطرح على ما يلي :أ- مدح الغرب وإطراؤه ، ودعوة الأمة إلى اللحاق بركبه والتأسي بتجربته في رمي الدين جانباً وعزله عن الـحـيـاة، وعن هذا يقول أحدهم تحت عنوان "درس النهضة الأوربية" وهكذا نستخلص من اسـتـيـعـاب درس النهضة وموقفها من التراث حقيقتين على أعظم جانب من الأهمية:الأولى : هي أن من الـممكن أن تقوم نهضة علمية فكرية رفيعة المستوى في مراحلها الأولى على أساس الرفض الحاسم للتراث ، وذلك حين يكون هناك انقطاع في التراث يمنع من استمراره في خط مـتـصـل حتى الحاضر، وعندئذ لابد أن ترفع النهضة شعار "البدء من جديد" كعلامة على تحدي التراث.والثانية: هي أن الـتـطـــــور والتقدم المستمرين في المعرفة يساعدان على الوصول إلى نظرة تاريخية إلى التراث يختفي فيها التناقض بين تمجيده والاعتراف بتخلفه (2).ب - ادعاء علمانية الإسلام ، وأنه لا تناقض بين الإسلام والعلمانية! ؛ لأن الإسلام دين فرد لا دولة! ويستدل هؤلاء بكتاب "الإسلام وأصول الحكم" لعلي عبد الرازق ، وكتاب "الديمقراطية أبداً" لخالد محمد خالد وخير مثال لهذا الادعاء كتاب "العلمانية والدولة الدينية" لشبلي العيسمي .ج - ادعاء عدم صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان ، وأنها نزلت في وقت معين ، وأنها لابد أن تتطور لتوافق النمط الاجتماعي الجديد، ولو كان في هذا تجاوز لأحكام ثابتة غير اجتهادية ؛ لأن المصلحة مقدمة على النص عندهم !! وهؤلاء يدعون أنهم يؤمنون فردياً بالدين وشعائره! وإن كان معظمهم لا يؤديها !! ويستدلون بأقوال هي إما لمنحرفين كمحمد أحمد خلف الله ، وعلي عبد الرازق أو أقوال شاذة لبعض القدماء كقول نجم الدين الطوفي : "إن المصلحة مقدمة على النص" ! فتجد هذا النص متكرراً في كتبهم ومقالاتهم (3)، ولم ينقل أحدهم القاعدة المشهورة "لا اجتهاد مع النص " ولم ينقل أحدهم قول أئمة الإسلام فيمن يحدد المصلحة  !!د- التركيز على قضية المرأة وأنها مهانة في الإسلام ، وضرب الأمثلة والإطناب في ذلك إلى حد زعم وادعاء اللعب على المرأة في الشريعة الإسلامية!! حتى أن فؤاد زكريا ليقول - وبأسلوب مموه - "لو لم تكن المسألة في حقيقتها لعبة بارعة أتقنها الرجل لكي يخدر المرأة ويحقق بها مصالحه لاتجهت دعواته إلى أن يتحمل هو جزءاً من العبء على الأقل.. الخ" وكأن الشريعة وضعها رجل وليست شرعاً
سماوياً ! .
هـ - جعْل الثورة الإيرانية الشيعية هي المثال لكل حكم إسلامي ، وصحوة إسلامية، بل إنهم يرددون في كتاباتهم مزاعم تصف العمل للإسلام ، والدعوة للعودة إليه ، والتمسك به بالسعي إلى إقامة طهران أخـــرى !! ؛وهم بهذا يريدون أن يخوفوا الشعوب من الصحوة الإسلامية، ويحاولوا الصد عــن ديـــن الله ، بل إن أحدهم قاس كل دولة إسلامية على الثورة الإيرانية بالنسبة للنص في الدسـتــــور على مذهب معين فقال : "وقياساً على هذا المنطق فإن الدولة الإسلامية في الوطن العربي يجب أن تعتمد على الأساس المذهبي ، ولا يخفى ما في ذلك من خطر وخطورة على إمـكـانية قيامها من جهة وعلى مضمون الوحدة والتماسك بين أبناء الدولة الإسلامية الـمـنـشودة من جهة ثانية"(4) وكأنه حريص على وحدة أي دولة إسلامية!
و- نقد الصحوة الإسلامية ومظاهرها، والسخرية منها والتعرض بالنقد اللاذع لرموزها من العلماء والدعاة وكل ذلك - كما أسلفنا - محـاولـــة لإجهاض هذه الصحوة أو بث الوهن فيها، وتفريق الناس من حولها ولكنهم خابوا وخسروا.
2- الطرح المموه : وأهل هذا الأسلوب غاية في الحذر والمكر، فهم يدَّعـــــون الإسلام ، ويتباكون على حال المسلمين ، حتى يلتبس أمرهم على طالب الحق ، فلا يستطيع تمييزهم ، ولكنهم يعرفون بصدورهم عن آراء الشواذ فيما يتعلق بالشريعة وعدم رجوعهم إلى الحق ولو أقيمت عليهم الحجة، وهم في الغالب لا ينكشفون إلا في حال فرح غامر بانتشار المنكر أو استياء شديد عند حصول نصر للإسلام ، ففي هذه الحال يصدر منهم ما ينبىء بما يخفون وبهذا يُتبيَّن انتماؤهم ومنهجهم.
وغالب من يسلك هذا الطريق الملتوي يعيش في بلد ترتفع فيه رايــة الدين ؛ فلا يمكن له التصريح بمنهجه ، خشية من العقوبة الرسمية، أو خـشـيــــة العقوبة الشعبية، كرفض الشعوب له وسقوط مصداقيته. ومن مرتكزات هذا الطرح ما يلي : 
أ- الدعوة إلى الاجتهاد والتجديد، والإلحاح على ذلك، وحشد النصوص والنقول الشاهدة على ذلك ، ثم تمتد هذه الدعوة إلى الاجتهاد في ثوابت الدين ، وتمـتــد إلى تجديد أحكام مجمع عليها وإلى الحث على تجاوز الإنتاج الفكري والفقهي الإسلامي عـلــى مدى أربعة عشر قرناً، والرجوع إلى الكتاب والسنة بشكل مجرد، ورفض أية وصاية - عـلـى حــــد زعمهم - يفرضها ذلك الإنتاج ، وعدم الاعتراف بكثير من شروط الاجتهاد التي وضعها السلف!
وقد تورط في مثل هذه القضايا بعض الكُتاب مثل فهمي هويدي في كثير من كتاباته وخاصة ما كتبه في فصل "وثنيون أيضاً عبَدة النصوص والطقوس" في كتاب "القرآن والسلطان" . والـدكـتـور محـمـد عـمـــارة في كتاب "الإسلام والعروبة والعلمانية"، وفي كثير من كتاباته المعاصرة، وآخرين من أمثالهم.
إن الدعوة إلى الاجتهاد فـي أصـلـهـا صحيحة، ولكن الاجتهاد له ضوابطه وشروطه التي فصّل فيها علماء الأمة القول ، وبينوا أن المجتهد لابد له من الآلة، وهي علوم الشريعة، وأنه لابد - لكي يكون مجتهداً معذوراً - أن يبذل الوسع ، ويخلص النية، وإلا كان كمن اجتهد في القرآن برأيه ، فأصاب ولكنه مخطئ؛ لأنه اجتهد بغير علم، ويتناسى أصحاب هذه الدعاوى أقوال الفقهاء والعلماء في التحذير من القول على الله بغير علم (5).
ب - ادعاء: أن المهم هو أساس الإسلام ، ورسالته المهمة في إصلاح النفـوس وتزكـيـتـهـا وتهذيب الأخلاق ،وأن هذا أهم من تطبيق الشريعة، وإقامة الحدود، والجهاد وغيرها مما يــؤذي الـحــس الـعـلـماني المرهف!! الذي يرضى بالشرائع الغربية، والقوانين الوضعية التطبيقية، ولا يهتم إلا قليلاً بنقل جدية الحضارة الغربية في العلم المادي ، وهذا واضح في الجهود التي تبذلها الحكومات العلمانية في محاربة الدين ، وتغريب القوانين ، بينما لم يستطع أي من تلك الأنظمة التقدم تقنياً ومادياً كما تقدم في مجال التغريب !
ويحرص العلمانيون على احتقار المظاهر الإسلامية، لأنها هي سمة المسلمين ، وبها يعرف المسلم من غيره في عصور ظهور الإسلام، ولكن إذا فقدت هذه المظاهر أهميتها أصبح التمييز بين المسلم وغيره أصعب، وهــــذه الإشـكــالية صحيحة أيضاً بالنسبة للعبادات والشعائر العامة، وفي مثل هذه الأحوال يمكن للعلمانيين التحرك بحرية داخل المجتمع الإسلامي.
ج - دعوى الحرص على الوحدة وعدم التفرق: هـــــذه الدعـــــوى قديمة ومتجددة لدى العلمانيين ، فهم يرفعون هذا الشعار في كل مكان ، ويرفضون التمسك بالدين - وبالذات في حكم المجتمع - لأنه - على حد ما يزعمون ويفترون - يفرق المجتمع ، ويؤجج النزعة الطائفية، وقد قال هذه الدعوى كثير من العلمانيين ، بل يذهب العلمانيون في تنظيرهم إلى وجوب تطبيق العلمانية لتحقيق ما يسمى بالوحدة الوطنية! وهـــذا أحــــدهم يقـــول عن العلمانية : "وتلغي تنظيم المجتمع على أساس الطوائف وهي إذ تلغي الطائفة - كوسيط بين الفرد والدولة - فإنها توفر أساساً ضرورياً للديمقراطية، وتوحيد المجتمع في إطــــار عقلاني لا يمكن أن يتحقق في ظل الانقسام الطائفي"(6).
ويقول : "الـعـلـمـانـيـة هي الـطـريق الوحيد لتحقيق وحدة المجتمع ، وإلغاء الانقسامات العامودية، مثل العشائرية، والعرفية، والقطرية، إلى جانب الطائفية" (7).
ولست أدري هل غفل هؤلاء عن الدولة الإسلامية المترامية الأطراف - والتي استمرت لمدة تقرب من الأربعة عشر قرناً - وعـــاش فـي ظلـهـا غير المسلمين أحسن من عيشتهم في ظل دياناتهم ، مع أن الصليبيين حينما احتلوا الأندلـــس لم يبقـــوا فيها مسلماً  واحداً ظاهراً إسلامه على عكس وضع كل الطوائف في الدولة المسلمة، بل إن الـيهــــود استمروا تحت حكم هذه الدولة الإسلامية على دينهم طوال هذه الفترة.
د- القول بتغير الفتوى بتغير الزمان: فالعلمانيون يذكــرون هذه القاعدة في أكثر كتاباتهم، ويلفون حولها ويدورون ، ويقيمون الحجج لها، وينقلون الـنـصـوص ، ويحـشــدون أقوال السلف على صحتها وأهميتها، وهذه قاعدة صحيحة لا غبار علـيـهــا، وقد بحثهـا علماء الإسلام بحثاً دقيقاً وأصّلوها تأصيلاً شرعياً، ولم تحتجْ الأمة إلى العلمانـيـيـن كي يذكروها بها، ويفردوا الصفحات في كتبهم لمناقشتها، ولكن من يناقش وهو معظِّم لنـصوص الشريعة ومحترم لها، غير من يناقش لكي يسقط بعض أحكام الشريعة، ولهذا لم يــورد العلمانيون أن هذه الفتاوى التي تتغير بتغير الزمان والمكان إنما هي الفتاوى الاجتهاديــــة في أحكــام المعاملات ، أما العبادات وأحكام الأسرة والمواريث فهي ثابتة لا تتغير "ونص هذه القاعدة عام في ظاهره ، فالتغير في الظاهر شامل للأحكام النصية وغيرها، ولكن هذا العمــوم لـيـس مقـصــوداً ؛ لأنه اتفقت كلمة الفقهاء على أن الأحكام التي تتبدل بتبدل الزمان وأخــلاق الناس إنما هي الأحكام الاجتهادية فقط ، المبنية على المصلحة، أو على القياس أو علــى العرف ، أو على العادة، وعلى ذلك فالأحكام النصية ثابتة لا تقبل التغيير، ولا تدخـــل تحت هـــــذه القـاعــــدة وقد رأى بعضهم أن يكون نص القاعدة "لا يُنكر تغير الأحـكــام الاجتهادية بتغير الزمان" دفعاً لهذا اللبس وهذا قيد حسن"(8)، وعموماً ففتاوى علمائـنــا شاهدة على تطبيق هذه القاعدة بدون أن يلفت العلمانيون انتباههم إليها.
==========الهوامش :1 - بل إن بعض الاحزاب أصدرت أوامر إلى بعض مفكريها بأن يطرحوا أنفسهم من جديد بشكل إسلامي .
2- فؤاد زكريا، الصحوة الإسلامية في ميزان العقل ، ص39-40.
3- انظر : العلمانية والدولة الدينية لشبلي العيسمي ، ص10 ، وص180 ومراجع أخرى، وكثيراً ما تُذكر هذه القاعدة في كتب العلمانيين وأشباه العلمانيين ، ورداً على هذه الشبهة يقول الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه "أحمد بن حنبل" ، ص359 أن هذا الرأي "رأي شاذ بين علماء الجماعة الإسلامية" ، ويقول في صفحة 363 عن الطوفي واتهامه بالتشيع "إن مهاجمته للنصوص ونشر فكرة نسخها أو تخصيصها بالمصالح هو أسلوب شيعي..." نقلاً عن مفهوم تجديد الدين لبسطامي سعيد.
4- العلمانية والدولة الدينية ، شبلي العيسمي ، ص140.
5- راجع فصول الاجتهاد وأحكامه في كتب أصول الفقه ، وكتاب إعلام الموقعين ، لابن القيم ، حول ضوابط الاجتهاد ومجالاته وشروطه.
6- مجلة "فكر" ، فبراير عام 85م ، مقال مفهوم العلمانية، ص71 ، بقلم فضل شلق .
7- مجلة "فكر" ، فبراير عام 85م ، مقال مفهوم العلمانية، ص74، بقلم فضل شلق.
8- الوجيز في إيضاح قواعد اللغة الكلية ، د.محمد صدقي البورنو ، ص254، وانظر في تبيين مسألة تغير الفتوى بتغير الزمان رسالة "الاجتهاد" للشيخ صالح الفوزان ، وانظرها في مواضعها في كتب أصول الفقه والقواعد الفقهية.

د.عمر المديفر
مجلة البيان

        موقف أهل السنة والجماعة من العلمانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
إهداء
إلى تجمعات أهل السنة والجماعة التي تسعى لإعلاء كلمة الله في كل مكان.
إلى المجاهدين الصادقين من أهل السنة والجماعة الذين يقاتلون أعداء الله لتكون كلمة الله هي العليا.
إلى كل مسلم يريد أن يعرف الوجه الحقيقي القبيح للعلمانية، ولا يريد أن ينخدع بشعاراتها الزائفة.
إلى كل إنسان ضل الطريق أو انخدع بأباطيل العلمانية ويريد أن يهتدي إلى الحق.
{ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا}، {وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين}.
المؤلف

مقدمة
غفلة - أي غفلة- أن يظن أصحاب الحق والخير والاستقامة والالتزام بشرع الله أنهم متروكون من الباطل وأهله!
غفلة - أي غفلة- أن يظن المسلمون اليوم أنهم يملكون تجنب المعركة! أو تأجيل المواجهة!
غفلة - أي غفلة- أن تظن الفئة المؤمنة أنه يمكن أن تقوم هناك مصالحة أو مهادنة مع العلمانية الديمقراطية الكافرة!
خير لأهل السنة والجماعة اليوم أن يستعدوا للمعركة المحتومة بالوعي والعدة، من أن يستسلموا للوهم والخديعة... {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين}[الأنعام، الآية: 55].
إن قوة الاندفاع بالحق لا تنشأ فقط من شعور صاحب الحق أنه على الحق، ولكن كذلك من شعوره بأن الذي يحاده ويحاربه إنما هو على الباطل وأنه يسلك سبيل المجرمين.
إن سفور الكفر والشر والإجرام ضروري لوضوح الإيمان والخير والصلاح، واستبانة سبيل المجرمين هدف من أهداف التفصيل الرباني للآيات. ذلك أن أي غبش أو شبهة في موقف الكفار والمجرمين وفي أساليبهم المتعددة والمتنوعة ترتد غبشاً وشبهة في موقف المؤمنين. فهما صفحتان متقابلتان.. وطريقان مفترقان.. ولابد من وضوح الألوان والخطوط.
من هنا يجب أن تبدأ كل تجمعات أهل السنة والجماعة اليوم بتحديد وتعريف سبيل المؤمنين والعنوان المميز للمؤمنين والعنوان المميز للمجرمين، في عالم الواقع لا في عالم النظريات. فيعرف أصحاب الدعوة الإسلامية والحركة الإسلامية من هم المؤمنون ممن حولهم. ومن هم المجرمون. بعد تحديد سبيل المؤمنين ومنهجهم وعلامتهم، وتحديد سبيل المجرمين ومنهجهم وعلامتهم. بحيث لا يختلط السبيلان ولا يتشابه العنوانان، ولا تلتبس الملامح والسمات بين المؤمنين والعلمانيين الكافرين المجرمين.
وحيثما واجه الإسلام الشرك والوثنية والإلحاد والديانات المنحرفة من الديانات ذات الأصل السماوي بعد ما بدلتها وأفسدتها التحريفات البشرية... حيثما واجه الإسلام هذه الطوائف والملل كانت سبيل المؤمنين الصالحين واضحة، وسبيل المشركين الكافرين المجرمين واضحة كذلك... لا يجدي معها التلبيس!
ولكن المشقة الكبرى التي تواجه حركات الإسلام الحقيقية اليوم التي تنتمي إلى أهل السنة والجماعة ليست في شيء من هذا... إنها تتمثل في وجود أقوام وتجمعات من الناس من سلالات المسلمين في أوطان كانت في يوم من الأيام داراً للإسلام، يسيطر عليها دين الله، وتحكم بشريعته.. ثم إذا هذه الأقوام وإذا هذه التجمعات تهجر الإسلام حقيقة، وتعلنه اسماً. وإذا هي تتنكر لمقومات الإسلام وأحكامه. وإن ظنت أنها تدين بالإسلام!
وفي الأرض اليوم أقوام وأحزاب.. علمانية وغيرها.. أسماؤهم أسماء المسلمين، وهم من سلالات المسلمين، من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، إذا اتبعهم أحد قذفوه في النار، يعيشون في أوطان كانت في يوم من الأيام داراً للإسلام.
وهذا أشق ما تواجهه تجمعات أهل السنة والجماعة اليوم في هذه الأوطان مع هؤلاء الأقوام!
أشق ما تعانيه الدعوة الإسلامية الحقيقية اليوم هو الغبش والغموض واللبس الذي أحاط بمدلول لا إله إلا الله ومدلول الإسلام في جانب، ولمدلول الشرك، وبمدلول الجاهلية في الجانب الآخر.
أشق ما تعانيه تجمعات أهل السنة والجماعة اليوم هو عدم استبانة طريق المسلمين الصالحين، وطريق العلمانيين المشركين المجرمين، واختلاط الشارات والعناوين والتباس الأسماء واللافتات والتيه الذي لا تتحدد فيه مفارق الطريق!
ويعرف أعداء أهل السنة والجماعة هذه الثغرةن سواء كانوا من الرافضة الباطنية أو كانوا من العلمانيين، فيعكفون عليها توسيعاً وتمييعاً وتلبيساً وتخليطاً، حتى يصبح الجهر بكلمة الفصل تهمة يؤخذ عليها بالنواصي والأقدام!.. تهمة تكفير "المسلمين"!!!
ويصبح الحكم في أمر الإسلام والكفر مسألة المرجع فيها لعرف الناس واصطلاحهم وأذواقهم!! لا إلى قول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويوصف من يجهر بالحق بالتطرف والتزمت والتعصب والإرهاب!!
هذه هي المشقة الكبرى.. وهذه كذلك هي العقبة الأولى التي لابد أن يجتازها أصحاب الدعوة إلى الله في كل جيل! يجب أن تبدأ الدعوة إلى الله باستبانة سبيل المجرمين.. ويجب ألا تأخذ أصحاب الدعوة إلى الله في كلمة الحق والفصل هوادة ولا مداهنة. وألا تأخذهم فيها خشية ولا خوف، وألا تقعدهم عنها لومة لائمن ولا صيحة صائح: انظروا! إنهم يكفرون المسلمين! إن الإسلام ليس بهذا التميع الذي يظنه المخدوعون!
إن الإسلام بيّن والكفر بيّن... فمن ينتسب إلى العلمانية الكافرة والتي ترفع راية فصل الدين عن الحياة وعن الدولة فحكم الله ورسوله فيه أنه من الكافرين الظالمين الفاسقين المجرمين.
أجل يجب أن يجتاز أهل السنة والجماعة اليوم، خاصة أصحاب الدعوة إلى الله بهذه العقبة، وأن تتم في نفوسهم هذه الاستبانة كي تنطلق طاقاتهم كلها في سبيل الله، لا تصدها شبهة، ولا يعوقها غبش، ولا يميعها لبس. فإن طاقاتهم لا تنطلق إلا إذا اعتقدوا في يقين أنهم على الحق... وأن الذين يقفون في طريقهم ويصدونهم ويصدون الناس عن سبيل الله على الباطل. كذلك لن يحتملوا متاعب الطريق إلا إذا استيقنوا أنها قضية إيمان وكفر... إسلام أو علمانية تشرك بالله وإن شيدت المساجد وتشدقت بالعقيدة الإسلامية وأقامت في أحزابها لجاناً للشؤون الدينية لتضليل العوام!!
هذا ما ينبغي أن يعيه الواعون اليوم وغداً، فلا ينساقوا وراء حركات التمييع الخادعة والمخدوعة التي تتخذ من ذلك وسيلة لتخدير مشاعر المسلمين تجاه المعسكرات التي تضمر لأهل السنة والجماعة الحقد وتبيت لهم الكيد، الأمر الذي تبذل فيه هذه المعسكرات -ومنها العلمانية- جهدها، وهي بصدد الضربة الأخيرة الموجهة إلى جذور العقيدة الإسلامية.
إن العلمانية الكافرة.. والمعسكرات التي ورائها، لا تخشى شيئاً أكثر مما تخشى الوعي في قلوب أهل السنة والجماعة، مهما ل عددهم أو عدتهم، فالذين يخدرون هذا الوعي هم أعدى أعداء هذه العقيدة، وهم أكفر أعداء الإسلام.
لذلك، فهي غفلة - أي غفلة- أن يظن أصحاب الحق أنهم يملكون تجنب المعركة أو تأجيل المواجهة!
وغفلة - أي غفلة- أن يظن أصحاب الدعوة إلى الله أنهم متروكون من العلمانية ومن وراءها من معسكرات الباطل والكفر
... إنها معركة لا خيار لأهل السنة والجماعة فيها.
... إنها مواجهة لا يملك أصحاب الحق ألا يخوضوها في وجه الباطل.
... إنها منازلة لا تستطيع الحركة الإسلامية الحقيقية أن تتجنبها لأن العلمانية الكافرة لابد ستحاول البطش بهم.
لقد آن لتجمعات أهل السنة والجماعة أن تعد العدة وتجمع الشمل وتنفض غبار الخلافات الجانبية لتتفرغ للمعركة الحقيقية والمواجهة المصيرية مع العلمانية الكافرة ومن وراءها من معسكرات الكفر والضلال.
ولقد آن لتجمعات أهل السنة والجماعة أن تتكتل في مواجهة الرافضة الباطنية ومن يناصرونهم من أعداء الأمة الإسلامية من العلمانيين وغيرهم.
لقد آن لتجمعات أهل السنة والجماعة أن تحسم موقفها من أعدائها وتتوكل على ربها حق التوكل. إنه نعم المولى ونعم النصير.

حسم موقف أهل السنة والجماعة من العلمانية
هناك كلمة لا نحسب أنها تغيب عن ذهن القارئ الواعي بأمر هذا الدين، وإن كنا نخشى أن تكون قد تاهت - أو توارت- أثناء الصراع الدائر بين أهل السنة والجماعة والفرق المختلفة الضالة التي تنتسب لهذا الدين.
إن أحد التحديات الخطيرة - إن لم تكن أخطرها على الإطلاق - والتي تواجه أهل السنة والجماعة في هذا العصر، لهي إسقاط اللافتات الزائفة وكشف المقولات الغامضة وفضح الشعارات الملبسة التي تتخفى وراءها العلمانية [1] الكافرة التي تبث سمومها في عقول وقلوب أبناء هذه الأمة.
ولفضح العلمانية ومواجهتها، لابد أولاً أن يصل أمر المواجهة إلى المستوى المطلوب من الحسم والحزم والوضوح في نفوس أهل السنة... فإنه بدون هذا الحسم والحزم، وبدون هذا الوضوح، تعجز تجمعات أهل السنة عن أداء واجبها في هذه الفترة الحرجة، ويعجز علماؤها ومفكروها عن التصدي للهجمة العلمانية. وتتأرجح المواقف وتتميع المواجهة.
وبالتالي تفقد تجمعات أهل السنة أهدافها الحقيقية بفقدانها لتحديد نقطة البدء الصحيحة في مواجهة التجمعات الجاهلية - ومنها العلمانية- من حيث تقف هذه التجمعات الجاهلية فعلاً، لا من حيث تزعم وتدعي. والمسافة بعيدة بين الزعم والواقع الفعلي.. بعيدة جداً.

التوحيد نقيض العلمانية
ومن أجل حسم الصراع بين أهل السنة والجماعة من جانب والعلمانية من جانب آخر، ونظراً لما أصاب الكثير من التصورات الإسلامية من انحراف وغبش في أذهان الناس في هذا العصر، ولما يثيره أعداء الإسلام الظاهرون منهم والمتسترون من شبهات وأباطيل.
فإنه من الواجب علينا أن نقوم بتجلية تلك التصورات وكشف هذه الشبهات في كلمة موجزة عن حقيقة العلمانية الكافرة، وبيان أن التوحيد الذي هو أعظم حقيقة في التصور الإسلامي - بل الوجود كله- هو في الوقت ذاته أكبر نقيض للعلمانية.
ومن هنا كان لابد من معرفته حق المعرفة والتأكيد عليه في جميع مراحل الدعوة إلى الله مع بيان سبيل إحياء الأمة في التمسك واتباع مناهج وأصول أهل السنة والجماعة.
وإذا كان معنى لا إله إلى الله الكفر بالطاغوت [2] والإيمان بالله، فإننا نستطيع القول بأن الشرك - الذي ظل عبر التاريخ محور الصراع بين الأمم والرسل - هو عبادة الطاغوت مع الله أو من دونه في أمرين متلازمين:
الأول: الإرادة والقصد.
الثاني: الطاعة والاتباع.
أما شرك الإرادة والقصد فهو التوجه إلى غير الله تعالى بشعيرة من شعائر التعبد كالصلاة والقرابين والنذور والدعاء والاستغاثة تبعاً للتبريرات الجاهلية المردودة القائلة: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر: الآية: 3]. وطاغوت هذا النوع قد يكون صنماً أو وثناً ـو ميتاً أو جنياً أو شيخاً... الخ.
وأما شرك الطاعة والاتباع فهو التمرد على شرع الله تعالى وعدم قبول حكمه وتحكيمه في شؤون الحياة بعضها أو كلها. وهو مفرق الطريق بين الإسلام والجاهلية... بين الإيمان والكفر.
كما أنه السمة المشتركة بين الجاهليات كلها على مدار التاريخ، وبه استحقت أن تسمى جاهلية مهما بلغ شأنها في الحضارة والمعرفة.. {أفحكم الجاهلية يبغون} [المائدة: 50]... {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} [الشورى: 21].
وطاغوت هذا النوع قد يكون زعيماً أو حاكماً أو كاهناً أو يكون هيئة تشريعية أو أنظمة وأوضاع وتقاليد وأعراف وعادات أو مجالس نيابية وبرلمانات أو لجان أو مجالس شعبية أو قوانين ودساتير وأهواء وأحزاب... الخ.
والواقع أن كلا النوعين من الشرك مردهما إلى أصل واحد، وهم تحكيم غير الله والتلقي عن غيره. فإن مقتضى تحكيمه وحده ألا تتوجه البشرية إلى غيره بأي نوع من أنواع العبادات والقرباتن وألا تتوجه وتسير في حياتها كلها إلا وفق ما شرع الله لها في كتبه وعلى لسان رسله.. {إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [يوسف: 40].
إن رد الأمر كله إلى الله واتخاذه وحده حكماً في كل شيء هو بعينه العبادة التي أمر الله ألا يصرف شيء منها لغير، وهذا هو ذات الدين القيم الذي لا يرضى الله تعالى سواه وإن جهله أكثر الناس على مدار التاريخ.

الطاغوت تتعدد صوره وأشكاله
إذا تقرر هذا، فكل ما يجابه هذه الحقيقة أو جزءاً منها فهو طاغوت في أي صورة كان وفي أي عصر ظهر، ولا يكون الإنسان - فرداً أ مجتمعاً - شاهداً ألا إله إلا الله حقيقة إلا بالكفر بالطاغوت والبراءة منه وأهله.
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: "إن الإنسان على مفترق طريقين لا ثالث لهما، فإما أن يختار العبودية لله، وإما أن يرفض هذه العبودية فيقع لا محالة في عبودية لغير الله".[3]
وكل عبودية لغير الله كبرت أو صغرت هي في نهايتها عبادة للشيطان.. {ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين، وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم} [يس: 60-61].
يشمل ذلك العرب الذين قال الله فيهم.. { إن يدعون من دونه إلا إناثاً وإن يدعون إلا شيطاناً مريداً} [النساء: 117].
ويشمل كذلك كل عبادة لغير الله على مدار التاريخ. لقد تغيرت ولا شك بعض مظاهر العبادة... فلم يعد هناك تلك "الإناث" التي كان العرب في شركهم يعبدونها، لكن عبادة الشيطان ذاتها لم تتغير، وحلت محل "الإناث" القديمة أوثان أخرى، الدولة والزعيم والمذهب والحزب والقومية والعلمانية والحرية الشخصية والفن والجنس... الخ. عشرات من "الإناث" الجديدة غير تلك الإناث الساذجة البسيطة التي كان يعبدها العرب في الجاهلية الأولىن تضفى عليها القداسات الزائفة وتعبد من دون الله ويطاع أمرها في مخالفة الله وفي تغيير خلق الله... وما تغيرت إلا مظاهر العبادة "تطورت"!!.. ولكن الجوهر لم يتغيرن إنه عبادة الشيطان.
وعلى ضوء هذا الفهم الإجمالي لمعنى "الطاغوت" و"العبادة" يتضح لنا المعنى الحقيقي لشهادة "لا إله  إلا الله" الذي هو - كما سبق- الكفر بالطاغوت وإفراد الله تعالى وحده بالعبادة.

الجاهلية تتعدد صورها وأشكالها
وكما أن الطاغوت تتعدد صوره وأشكاله، فإن الجاهلية أيضاً تتعدد صورها وأشكالها.
يجب أن نعلم أن الجاهلية بعضها يتمثل في إلحاد بالله سبحانه وإنكار لوجوده... فهي جاهلية اعتقاد وتصور كجاهلية الشيوعيين. وبعضها يتمثل في اعتراف مشوه بوجود الله سبحانه وانحراف في الشعائر التعبدية وفي الاتباع والطاعة كجاهلية الوثنيين من الهنود وغيرهم.. وكجاهلية اليهود والنصارى كذلك.
وبعضها يتمثل في اعتراف بوجود الله سبحانه وأداء للشعائر التعبدية مع انحراف خطير في تصور مفهوم ودلالة " لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله".. ومع شرك كامل في الاتباع والطاعة، وذلك كجاهلية من سمون أنفسهم "مسلمين" من العلمانيين ويظنون أنهم أسلموا واكتسبوا صفة الإسلام وحقوقه بمجرد نطقهم بالشهادتين وأدائهم للشعائر التعبدية مع انحرافهم وسوء فهمهم لمعنى الشهادتين ومع استسلامهم لغير الله من العبيد.. وكلها جاهلية.. وكلها كفر بالله كالأولين. أو شرك بالله كالآخرين.

مقارنة بين الجاهلية العربية القديمة والجاهلية العلمانية الحديثة
إن الدارس لعقائد الجاهلية العربية القديمة يجد - من أول وهلة- إنها لم تكن تنكر وجود الله أبداً، بل كانت توحده في معظم أفعاله تعالى كالخلق والرزق والتدبير والإحياء والإماتة.. {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله} [لقمان: 25].
وكانوا يقرون بمشيئة الله النافذة في الكون وقدره الذي لا يرد.. {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا أباؤنا ولا حرمنا من شيء} [الأنعام: 148].
وكانوا يؤمنون بالملائكة {وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أزل علينا الملائكة} [الفرقان: 21]، ويؤمنون بالرسل.. {وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثلما أوتي رسل الله} [الأنعام: 124].
ويقرون بأن الله يملك الرزق والسمع والبصر ويحيي ويميت وأنه يدبر الأمر.. {قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله} [يونس: 31].
وكان منهم من يؤمن بالبعث والحساب كقول زهير:
(يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر ***  ليوم الحساب أو يعجل فينتقم) [4]
وكذلك كان لدى الجاهلين العرب بعض الشعائر التعبدية منها تعظيم البيت الحرام وطوافهم حوله ووقوفهم بعرفات وتعظيم الأشهر الحرم. وكذلك ذبحهم ونذرهم لله كما في قصة نذر عبد المطلب وإهدائهم للبيت الحرام وتخصيص شيء من الحرث والأنعم لله.. {وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً} [الأنعام: 136].
ومن الناحية التشريعية كانت الجاهلية العربية تقيم بعض الحدود كحد السرقة، فقد ذكر الكلبي والقرطبي في تفسيره: "أن قريشاً كانت تقطع يد السارق"[5]. وهو حد معروف في الشرائع السابقة كما في حديث المخزومية وشفاعة زيد لها.
وشيء آخر سبقت - بل فاقت- به الجاهلية العربية القديمة الجاهليات العلمانية المعاصرة وهو "حرية التدين". فكان منهم الحنفاء الذين يتعبدون ببقايا دين إبراهيم عليه السلام...
وكان منهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى...
وكان منهم عبدة الكواكب وعبادة الأوثان...
وبعضهم كان يعبد الجن أو الملائكة.

بيان حكم الله على المجتمع رغم كل ذلك
ولكن - وهذا هو المهم- بماذا حكم الله على هذا المجتمع؟ إن الله تعالى حكم على هذه البيئة وعلى هذه المجتمعات والتصورات بأنها كفر وجاهلية، وعد تلك الأمور جميعها - التي يحتج العلمانيون اليوم بها على إسلامهم - صفراً في ميزان الإسلام، وكفراً بالله ورسوله.
ولذلك نشبت المعركة الطويلة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، واشتد النزاع، معركة شرسة ونزاع حاد، حتى أن السيف كان الحكم الأخير.
والشيء المثير أيضاً، أن موضوع هذه المعركة العنيفة الطويلة لم يكن سوى كلمة واحدة "لا إله إلا الله" كلمة يصر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى أقصى حدود الإصرار، وترفضها الجاهلية إلى أبعد مدى للإنكار والرفض.
لماذا؟… لأنه منذ اللحظة الأولى حين دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم، إلى شهادة أن "لا إله إلا الله" كان الجواب الفوري… {أجعل الآلهة إلهاً واحدا إن هذا لشيء عجاب} [ص: 5].
فالقضية واضحة في أذهانه من أن الالتزام بهذه الكلمة معناه الرفض الجازم والتخلي الكامل عن كل ما عدا الله من معبوداتهم وطواغيتهم المختلفة، طاغوت الأوثان وطاغوت الزعامة وطاغوت القبيلة وطاغوت الكهانة وطاغوت التقليد... الخ، والاستسلام الكامل لله ورد الأمر كله - جليله وحقيره وكبيره  وصغيره- إلى الله تعالى وحده لا شريك له.

العلمانية نظام طاغوتي جاهلي كافر
وانطلاقاً من هذا المفهوم - الذي يعتبر في حقيقة الأمر من المعلوم من الدين بالضرورة عند أهل السنة والجماعة- نستطيع أن نرى حكم الإسلام في العلمانية بسهولة ووضوح. ونستطيع أن نصل بالقضية إلى المستوى المطلوب من الحسم والوضوح في نفوس أهل السنة اللازمين لفضح العلمانية ومواجهتها.
إن العلمانية باختصار " نظام طاغوتي جاهلي كافر" يتنافى ويتعارض تماماً مع شهادة "لا إله إلا الله" من ناحيتين أساسيتين متلازمتين:
الأولى: من ناحية كونها - أي العلمانية - حكما بغير ما أنزل الله.الثانية: من ناحية كونها شركاً في عبادة الله.
إن العلمانية تعني - بداهة- الحكم بغير ما أنزل الله وتحكيم غير شريعة الله وقبول الحكم والتشريع والطاعة والاتباع من طواغيت من دون الله. فهذا معنى قيام الحياة على غير الدين أو بعبارة أخرى فصل الدين عن الدولة، أو فصل الدين عن السياسة، ومن ثم فهي- بالبديهة أيضا- نظام جاهلي لا مكان لمعتقده ولا لنظامه ولا لشرائعه في دائرة الإسلام. بل هو نظام كافر بنص القرآن الكريم {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة: 44].

لماذا التردد في الحكم على الأنظمة العلمانية بالكفر؟
إذا كان الأمر كذلك، فهل يبقى بعد هذا أي مجال للشك أو التردد في حسم هذه القضية في نفوس أهل السنة تجاه العلمانية؟
الحق أنه لا مجال لشيء من ذلك، ولكن الغياب المذهل لحقائق الإسلام من العقول والغبش الكثيف الذي أنتجته الأفكار المنحرفة، هما اللذان يجعلان كثيراً من الناس يثيرون شبهات متهافتة لم تكن لتستحق أدنى نظر لولا هذا الواقع المؤلم الذي يعتبر من أشد عوائق الانطلاقة الكبرى المرتقبة لأهل السنة والجماعة بمشيئة الله.
فمن هذه الشبهات، استصعاب بعض الناس إطلاق لفظ الكفر أو الجاهلية على من أطلقها الله تعالى عليه من الأنظمة والأوضاع والأفراد، وبذريعة أن هذه الأنظمة - ولا سيما العلمانية الديمقراطية- لا تنكر وجود الله، وبذريعة أن هذه الأنظمة العلمانية الديمقراطية لا تمانع في إقامة بعض شعائر التعبد، وبحجة أن بعض قيادات الأنظمة العلمانية الديمقراطية يتلفظون بالشهادة ويقيمون الشعائر من صلاة وصيام أو حج وصدقة، ويظهرون احترامهم في المناسبات العامة لمن يسمون ب(رجال الدين)!! والمؤسسات الدينية.
وفي ظل هذه الشبهات المتهافتة المردودة، يستصعب بعض الناس، ومنهم - للأسف الشديد- بعض من يرفع راية الدعوة الإسلامية اليوم، القول بأن الأنظمة العلمانية الديمقراطية أنظمة جاهلية كافرة وأن المؤمنين بها المتبعين لها جاهليون كافرون.
ومن الواضح جدا أن الذين يلوكون هذه الشبهات، لا يعرفون معنى "لا إله إلا الله"، ولا مدلول "الإسلام". وإن جاز هذا في حق البعض على فرض حسن الظن بهم، فهو لا يجوز في حق كثير من المثقفين المطلعين على حقائق الأمور، وبالذات بعض من يرفعون راية الدعوة الإسلامية اليوم ويتعللون بهذه العلل الواهية.
ولا نملك إلا أن نذكر هؤلاء بأن تاريخ الدعوة الإسلامية وصراع أهل السنة والجماعة المرير عبر القرون، بل والقرآن الكريم كله من أوله إلى آخره ومثله السنة المطهرة لتقطع الطريق على هذه الشبهة وقائليها.
وهل تحمل الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحابه العنت والمشقة والحرب والجهاد ثلاثاً وعشرين متوالية، وهل نزل القرآن موجهاً وآمراً وناهياً طوال هذه السنين من أن أجل أن يقول الجاهلون باللسان فقط... " لا إله إلا الله"، ويقيموا الشعائر التي يمن دعاة العلمانية على الله أنهم يسمحون بها اليوم.
وما الفرق بين قول قريش.. يا محمد اعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة، وبين قول العلمانيين لفظاً وحالاً: نعبد الله في المسجد ونطيع غيره في المجالس التشريعية والبرلمان وفي القضاء والتجارة والسياسة!!
أهو شيء آخر غير أن قسمة أولئك زمنية، وقسمة هؤلاء مكانية أو موضوعية!!..

دستور التتار ودستور العلمانيين
ويقول الشيخ ابن كثير - رحمه الله- في تفسير قول الله تعالى: {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون}: ينكر الله تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم (جنكيز خان) الذي وضع لهم الياسق، وهو عبارة عن أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيره، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد هواه، فصارت في بنيه شرعاً متبعاً يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن فعل ذلك فهو كافر، يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير) [تفسير ابن كثير 2/70].
إذا تأملنا ذلك، ونظرنا إلى دستور العلمانيين وجدناه عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها (جنكيز خان العلمانيين) من شرائع شتى من الرومانية والفرنسية والملة الإسلامية وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصارت في أتباع العلمانيين شرعاً متبعا يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأصدروا قواعد تشريعية عامة بدلوا بها شرائع الإسلام لتكون لها السيادة في الأمة ولتصبح هي المرجع في الحكم عند التنازع. وأصبح التحاكم إلى القوانين الوضعية التي تحل الربا والزنا والفواحش هو دين العلمانيين وشريعتهم.
وأصبح هؤلاء العلمانيون وأتباعهم يتحاكمون إلى القوانين الديوثية التي لا تجيز للزوج أن يرفع دعوى ضد زوجته بتهمة الزنا إلا إذا فاجأها وهي تزني على فراش الزوجية! وحتى إذا ما أخذته دوافع الغيرة وحاول أن يقتل عشيق زوجته فسبقه العشيق وقتل الزوج. فإن عشيق الزوجة الزانية يمكنه بالقانون أن يثبت براءته تحت ظل عدالة وديمقراطية وسماحة القوانين الوضعية بحجة أنه كان في وضع "دفاع عن النفس"!!
أما الزوجة الزانية فلا يستطيع أحد أن يخدش حياءها ويوجه لها تهمة الزنا لأنه في ظل هذه القوانين العلمانية الديوثية لا يستطيع أحد أن يرفع دعوى بتهمة الزنا ضد الزوجة إلا زوجها. وقد مات الزوج!! إذن فهي بريئة!!
• فما ظنكم بهؤلاء العلمانيين الذين يستعلنون بالفصل بين الدين والدولة وأن إدارة الكون شركة بينهم وبين الله، فلله حكم العقائد والعبادات ولهم ما وراء ذلك من جميع المعاملات؟.
• وما ظنكم بهؤلاء الذين لا شارع لهم إلا البرلمان، ولا سيادة عندهم إلا للأمة، ولا قدسية لديهم إلا للقوانين الوضعية؟.
• ما ظنكم بهؤلاء الذين يزعجهم - كما يزعج أسيادهم في الغرب والشرق- تنامي التيار الإسلامي ويرونه خطراً داهماً على سلطانهم؟
ألا ينطبق عليهم قول ابن كثير رحمه الله: "فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها عليه، فمن فعل ذلك فقد كفر بإجماع المسلمين" [البداية والنهاية لابن كثير: 13/119].
وبذلك يتضح أن تلك الشبهة - شبهة تلفظ بعض العلمانيين بالشهادة وإقامة بعض الشعائر- لا وزن لها ولا اعتبار إلا عند البلهاء أو المنافقين والزنادقة.

لماذا تتمسح الأنظمة العلمانية بالدين وتدعي الإسلام؟
والسؤال الآن هو لماذا تصر الأنظمة العلمانية على التمسح بالدين وادعاء الإسلام رغم أنها - على ما يبدو في الظاهر- تسيطر على مراكز القوة والحكم والتشريع؟
وللإجابة على ذلك، يجب أن نعلم أولاً أنه بعد أن نجحت الجاهلية- مؤقتا- في تنحية شرع الله من أن يحكم حياة المسلمين في ديارهم حاول أعداء الإسلام إخراج المسلمين عن أصل دينهم إلى المذاهب الإلحادية والمادية.
وبعد أن فشلوا في تنفيذ هذا المخطط وأصابهم اليأس من ذلك، لجأوا - بعد التفكير والتدبير - إلى ما هو أخبث وأخطر، لجأوا إلى اصطناع أنظمة تحكم بغير ما أنزل الله وفي الوقت نفسه هي تدعي الإسلام، وتظهر احترام العقيدة بوسائل مختلفة، فقتلوا إحساس الجماهير وضمنوا ولاءها وخدروا ضميرها، ثم انطلقوا يهدمون شريعة الله في مأمن من انتفاضتها.
ولذلك لا يجرؤ أرباب هذه الأنظمة العلمانية الديمقراطية على التصريح بأنهم ملحدون أو لادينيون أو أنهم ضد شريعة الله. بينما يصرحون - مفتخرين- بـنهم ديمقراطيون مثلا!!.

شعارات العلمانيين وراياتهم
لذلك تبلورت شعارات العلمانيين وأفكارهم التي تعبر في جوهرها عن حقيقة الجاهلية ولكنها وبخبث شديد وتدبير محكم تحاول أن تنتسب إلى الدين بتبجح غريب ومكر وضيع، فأعلنوا شعار "تطوير الشريعة". ورفعوا راية "مرونة الشريعة لتلبية حاجات العصر". ثم نادوا بعد ذلك بشعار "تقنين الشريعة". وذلك حتى لا ينفر من هذه الأفكار جمهور المسلمين، فهم يريدون أن تسري العلمانية ببطء في عقول ونفوس جمهور المسلمين سريان السم البطيء الذي يودي بحياة صاحبه دون أن ينتبه له جسده.. وذلك بجرعات منتظمة تحت شعار " التدرج في تطبيق الشريعة"!!
والعلمانية الديمقراطية كما هو معروف تجعل العقيدة والشعائر لله ووفق أمره، وتجعل الشريعة والتعامل لغير الله ووفق أمر غيره. وذلك معنى قولهم "لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين" أي "فصل الدين عن الدولة". وكما هو معلوم من الدين بالضرورة، فإن هذا هو عين الشرك في حقيقته وأصله.
ولكنهم يستميتون حتى لا تصل هذه الحقيقة إلى جماهير المسلمين ويلهون الناس بشعارات "المدرسة العقلانية" و"الإسلام المستنير" وشعار "حكم الشعب بالشعب"، وتحت شعار "الحرية الشخصية" تمارس جميع أنواع الشذوذ الجنسي والإباحية تحت سمع وبصر وحماية الشرطة ومباركة أجهزة الإعلام. وتحت شعار "الأمة مصدر السلطات" تصادر جميع السلطات إلا سلطة البطش والتنكيل بالمسلمين دون غيرهم. وتحت شعار "الاستنارة" يخرجون الناس من نور الإسلام إلى ظلمات الجاهلية. وتحت شعار "حرية الثقافة والفكر" تمارس جميع أنواع الفنون الساقطة ويفتح الباب أمام الزنادقة للتهجم على الإسلام حتى يصل بهم الأمر بالسخرية من بيت الله الحرام وعُمَّاره حيث يظهر نموذج للكعبة المشرفة في إحدى المسرحيات وإذا بها تفتح فجأة وتخرج من داخلها راقصة تتلوى أمام الجماهير التي تنتسب إلى الإسلام!! ولم لا... وقد أصبح للعاهرات عيد يسمونه "عين الفن"، تمنح فيه العطايا والمكافآت، وجوائز الدولة التقديرية، ومفتي الديار العلمانية يبارك ذلك بمزيد من الفتاوى اليومية فحلل الرقص وحلل الغناء وحلل الموسيقى والفن وأخيراً وليس آخراً.. حلل مفتي الديار العلمانية.. الربا!!

العلمانية خبث لا يخرج إلا نكداً
قول الله تعالى: {والذي خبث لا يخرج إلا نكداً} [الأعراف: 58]. ولأن العلمانية شجرة خبيثة فقد أثمرت بيننا اليوم - ممن يقولون إنهم مسلمون- من يستنكر وجود صلة بين العقيدة والأخلاق، وبخاصة أخلاق المعاملات.
وأثمرت بيننا اليوم حاصلين على الشهادات العليا من جامعاتنا وجامعات العالم يتساءلون في استنكار ما للإسلام وسلوكنا الشخصي؟ وما للإسلام والعري على الشواطئ؟ وما للإسلام وزي المرأة في الطريق؟ وما للإسلام وتصريف الطاقة الجنسية بأس سبيل؟ ما للإسلام وتناول كأس من الخمر لإصلاح المزاج؟ ما للإسلام وتعامل الناس بالربا في البنوك؟ ما للإسلام وهذا الذي يفعله "المتحضرون!!"؟ الذين يلهثون خلف راياتهم الخبيثة ويرددون بأن "الدين لله والوطن للجميع".. ولا عجب في ذلكن فهم طلائع مدرسة "دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله"..!!
... فأي فرق بين هذا وبين سؤال أهل مدين: {أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا} [ص: 5].
وهم يتساءلون كذلك، بل ينكرون بشدة وعنف أن يتدخل الدين في الاقتصاد، وأن تتصل المعاملات بالاعتقاد، أو حتى بالأخلاق من غير اعتقاد.. فما للدين والمعاملات الربوبية؟ وما للدين والمهارة في الغش والسرقة؟ وما للدين وتجارة الخمور والمخدرات ما لم يقع تحت طائلة القانون الوضعي؟ وما للدين والسياسة والحكم؟ لا .. بل إنهم يتبجحون بأن الأخلاق إذا دخلت في الاقتصاد تفسده!! ولا غرابة في ذلك، فهم قد رضعوا وشبوا على شعارات "فصل الدين عن الدولة"، و "لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين"!!
فلا يذهبن بنا الترفع كثيراً على أهل مدين في تلك الجاهلية الأولى، ونحن اليوم في جاهلية أشد جهالة،  ولكنها تدعي العلم والاستنارة والمعرفة والحضارة وتتهم الذين يربطون بين العقيدة في الله والسلوك الشخصي في الحياة والمعاملات المادية في السوق والسياسة والحكم... تتهمهم بالرجعية والتعصب والجمود!! وبعد أن استهلكت هذه الألفاظ أضافت الجاهلية العلمانية اليوم وصفهم بالتطرف!! ثم ألصقت بهم أخيراً صفة الإرهاب!!
أليس هذا بعينه ما يردده أدعياء الإسلام من العلمانيين أو غيرهم؟

مذهبهم عدم إظهار العداء السافر للإسلام
إن من عادة المنافقين والزنادقة من المنتسبين لهذا الدين عدم الإنكار الصريح والواضح وعدم إظهار العداء السافر للإسلام وهم بهذا الأسلوب وتحت هذه العباءة يستطيعون - أو هكذا يظنون- تحقيق أهدافهم الخبيثة وتقديم خدماتهم لأصدقائهم من اليهود والنصارى الذين يتآمرون للقضاء على الأمة الإسلامية.
وهم يسعون لذلك بسلاح التلبيس والتمويه للالتفاف حول المسلمين لحين المعركة الفاصلة حين يفاجئوا المسلمين على حين غرة. هم حريصون غاية الحرص في عدم إيقاظ الوعي الإسلامي قبل الموعد المرتقب.
وقد يكون هناك مسلمون طيبون لا تدرك عقولهم مثل هذه الأمور الملتوية والحيل المعقدة، فإلى هؤلاء وأمثالهم نهديهم الخبر التالي:
لقد نشرت الصحيفة اليهودية "يدعوت أحرنوت" في 18/03/1978 م مقالاً حللت فيه الهجوم اليهودي على جنوب لبنان وانتقدت إجراء التلفزيون اليهودي مقابلات مع العميل النصراني الخائن سعد حداد وإبراز معالم البهجة التي عمت القرى المارونية النصرانية إزاء احتلال الجيش اليهودي لجزء كبير من جنوب لبنان، وفيما يلي قطوف من هذا التحليل لعل فيها عبرة لهؤلاء المخدوعين والنيام:
قالت الصحيفة اليهودية: "إن على وسائل إعلامنا ألا تنسى حقيقة هامة هي جزء من استراتيجية إسرائيل في حربها مع العرب، هي أننا قد نجحنا بجهودنا وجهود (أصدقائنا) في إبعاد الإسلام عن معركتنا مع العرب، طوال ثلاثين عاماً، ويجب أن يبقى الإسلام بعيداً عن المعركة إلى الأبد، ولهذا يجب أن لا نغفل لحظة واحدة عن تنفيذ خطتنا في منع استيقاظ الروح الإسلامية بأي شكل، وبأي أسلوب ولو اقتضى الأمر الاستعانة (بأصدقائنا) لاستعمال العنف والبطش لإخماد أية بادرة ليقظة الروح الإسلامية في المنطقة المحيطة بنا".
واختتمت الصحيفة تحليلها قائلة:
"ولكن تلفزيوننا الإسرائيلي وقع في خطأ أرعن، كاد ينسف كل خططنا، فقد تسبب هذا التصرف في إيقاظ الروح الإسلامية ولو على نطاق ضيق، ونخشى أن تستغل الجماعات الإسلامية هذه الفرصة لتحريك المشاعر ضدنا، وإذا نجحت في ذلك، وإذا فشلنا - في المقابل- في إقناع (أصدقائنا) بتوجيه ضربة قاضية إليها في الوقت المناسب، فإن على إسرائيل أن تواجه حين ذلك عدواً حقيقياً (لا وهمياً)، وهو عدو حرصنا أن يبقى بعيداً عن المعركة.
وستجد إسرائيل نفسها في وضع حرج إذا نجح المتعصبون، أولئك الذين يعتقدون أن أحدهم يدخل الجنة إذا قتل يهودياً، أو إذا قتله يهودي".
لهذا ومن أجل ذلك يرفع هؤلاء الزنادقة من العلمانيين وأشباههم شعارات يحاولون بها خداع أكبر عدد ممكن من المسلمين وتهدئة نفوس القلة التي قد ساورتها الشكوك تجاه نوايا هؤلاء الذين يرفعون شعارات العلمانية ويتشدقون بالحرية والديمقراطية بينما يسعون بواقعهم العملي لاقتلاع الإسلام من جذوره ولكن رويداً رويدا حتى لا يستيقظ النائمون.

أهمية البرامج الدينية في أجهزة الإعلام الشيطانية
لا يزال المنافقون والزنادقة على مدار التاريخ الإسلامي يدعون الإيمان، بل ويزعمون للناس أنهم مجددون وأنهم يصلحون في الأرض ولا يفسدون.
كذلك يدعي الإيمان بعض قيادات العلمانية الديمقراطية في العصر الحديث، بل منهم من يتقلب بين عقائد الكفر المتعددة فهذا شيوعي سابق أصبح ليبريالياً متعصباً، ولا غرابة في ذلك حيث أن ملة الكفر واحدة. ولكن الغرابة أنه يلقب نفسه بلقب (الحاج)، ويقيمون في أحزابهم لجاناً للشؤون الدينية!! {يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون} [البقرة: 9].
ومنهم من ادعى الإيمان ودعا إلى زمالة بين الأديان إلى تأليف كتب دينية مشتركة يلتقي عليها المسلمون والنصارى واليهود.
لذلك لا غرابة في أصرار الأنظمة العلمانية الديمقراطية الكافرة على أن يجعلوا للدين برامج تسمى برامج دينية أو "روحية". ضمن أجهزة الإعلام الشيطانية، وهم الذين يجعلون أحكاماً إسلامية للأحوال الشخصية ضمن قوانين الحكم الجاهلية، وهم الذين يجعلون في كل صحفهم ومجلاتهم العلمانية الجاهلية صفحة يسمونها صفحة الفكر الديني!!
وهم الذين يقولون إن مكان الدين هو المسجد فقط ويظهرون لعامة المسلمين أنهم يحجون لبيت الله في العمرة مرة ويتعمدون إبراز هذه الصور في أجهزة إعلامهم. بينما هم يقصدون بيوت أعداء الله شرقاً وغرباً كل حين يتلقفون منهم المناهج ويتلقون التشريعات والأوامر والنواهي والحلال والحرام!!
ويمتدح أحد هؤلاء العلمانيين بغباء شديد أحد أئمتهم السابقين ويترحم عليه ويذكر أن أهم فضائله أنه لم يكن يطبق شرع الله!!
يقول عبد الستار الطويلة في جريدة الوفد القاهرية وهي إحدى معاقل العلمانية بتاريخ 22/08/1991 م بالحرف الواحد:
" أيام (المرحوم!!) جمال عبد الناصر منذ السنوات الأولى للثورة كان الحكم - بصرف النظر أنه كان ديكتاتوريا- حريصاً على عدم الخلط بين الدين والحكم.. أنه كان أقرب إلى العلمانية.. منه إلى أي شيء.. كان يقتصر نظام عبد الناصر على إنشاء محطة للقرآن الكريم... الاستمرار في بناء المساجد.. والكنائس.. تيسير الحج.. الخ.. أي تقديم كافة التسهيلات (للمتدينين) كي يؤدوا (شعائرهم) الدينية على أكمل وجه.. لكن كان الحكم بعيداً عن أي ترويج لفكرة ضرورة الحكم بالدين.. ولم تكن نظم الشريعة سواء الشريعة الإسلامية أو (الشريعة المسيحية!) مطبقة إلا فيما يتعلق بالأحوال الشخصية من زواج أو طلاق.".. والكلام لا يحتاج إلى تعليق كما هو واضح!

العلمانيون يعبدون أحبارهم المشرعين
إننا نتوجه بهذا السؤال إلى هؤلاء العلمانيين.. إلى كل من يدعي الإسلام من هؤلاء.. فنقول:
إذا أخرجنا - على سبيل التحكم- جزءاً من النشاط الإنساني في الحياة - إما السياسة وإما غيرها- عن دائرة الإسلام.. فمن أين نتلقى منهج وقيم وموازين وتشريعات هذا الجزء؟.
وأيا ما كان الجواب.. فإن نتيجته ومؤداه واحد لا ريب فيه: التلقي عن غير الله.. والطاعة والإتباع لغير  الله.
والنتيجة... هي الشرك بالله... وهل هناك صورة من صور الاعتراف بالشرك أصرح من هذه؟ أعني شرك الطاعة والإتباع!!
إنه شرك في عبادة الله، وإن كان الذين يمارسونه قد يجهلون معنى عبادة الله وحده، وما ذلك بغريب على الجاهلين. فإن عدي بن حاتم - رضي الله عنه- في الجاهلية لم يكن يتصور أن ذلك عبادة، فإنه لما دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، تلا صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله}، فقال عدي (وكان نصرانيا) يا رسول الله: لسنا نعبدهم. قال: "أليس يحلون لكم ما حرم الله فتحلونه ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟ قال: بلى. قال النبي صلى الله عليه وسلم: فتلك عبادتهم .[6]
قال ابن تيمية رحمه الله تعليقاً على ذلك: " قد جعله الله ورسوله شركاً وإن لم يكونوا يصلون لهم ويسجدون لهم".[7]
إن العلمانية التي ولدت وترعرعت في أحضان الجاهلية لهي كفر بواح لا خفاء فيه ولا مداورة ولا التباس. ولكن الخفاء والمداورة والالتباس إنما يحدث عمداً من دعاة العلمانية أنفسهم، لأنهم يعلمون أنه لا حياة ولا امتداد لجاهليتهم وسلطانهم في بلاد المسلمين إلا من خلال هذا التخفي وهذه المداورة. ولا  بقاء لهم إلا بالتلبيس على جماهير المسلمين وذلك من خلال راياتهم الزائفة التي تخفي حقيقة أمرهم وباطن دعوتهم عن المسلمين وتلبس على العامة أمر دينهم وعقيدتهم خاصة إذا ساندهم من نصبوه مفتياً للديار العلمانية في محاولة تجميل مكشوفة لم تزد وجوههم إلا قبحاً. بل هم يدعون عامة المسلمين ويحفزونهم ضد إخوانهم المسلمين الصادقين الواعين لحقيقة هذا الصراع وخلفياته والمنبهين إلى خطره الداهم على الدين وأهله.

حصون أهل السنة مهددة من الداخل
إن المعارك والجبهات التي تفتحها الفرق الضالة والمنتسبة لهذا الدين ضد أهل السنة والجماعة، وأخطرها دائماً جبهة الرافضة الباطنية، والتي تغذيها وتدعمها القوى والمعسكرات الجاهلية العالمية لتدمير أهل السنة والجماعة باعتبارهم الخطر الحقيقي والفعال ضد كل هذه القوى، أقول إن هذه المعارك وهذه الجبهات يجب ألا ينسى معها أهل السنة والجماعة أن حصونهم لا زالت مهددة من داخلها، وأن القوى العلمانية المتكتلة ضدهم من الداخل والتي تصارعهم في معارك خافية - غالباً- وسافرة - أحياناً- هي التي تمثل الآن جوهر الصراع القائم بين الإسلام والجاهلية في العصر الحديث. وإن أخطر مراحل هذا الصراع هي مرحلة تعرية هذه القوى العلمانية القبيحة وفضحها أمام جميع المسلمين ليستبين لكل مسلم سبيل هؤلاء المجرمين الذين يحاولون خداعهم والقضاء عليهم.
الخاتمة
وختاماً نقول، لقد أدى الغبش في هذه القضية إلى التفاف البعض حول الأحزاب العلمانية التي تجاهر بعلمانيتها لمجرد أنها تعد الناس بشيء من الرغد وتلوح لهم بحلول لمشكلة الغذاء والكساء والمسكن، ولو رسخت حقائق الإسلام والولاء والبراء في النفوس ما التف حول هذه الأحزاب من الأمة رجل واحد، وكيف يرضى بموالاتها رجل يؤمن بالله واليوم الآخر وهو يتلو آناء الليل والنهار قول الله تعالى: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم} [المجادلة: 22]. وأية محادة لله ورسوله أكبر من أن تستعلن العلمانية بردها لشرائع الإسلام وتدعو بلا مواربة لإقصاء شرع الله عن الحياة بفصل الدين عن الدولة. وأية محادة لله ورسوله أكبر من منزاعة الله تعالى في حق التشريع بالتحليل والتحريم.
أما آن لأهل السنة والجماعة أن ينتبهوا لهذه الأخطار الماحقة من الداخل والخارج والتي تهددهم في دنياهم وآخرتهم؟
أما آن لهم أن يتكتلوا دفاعاً عن أنفسهم وعن وجودهم ودفاعاً عن عقيدتهم؟.
أما آن لهم أن ينظموا صفوفهم ويعدوا لأعدائهم ما استطاعوا من عدة يرهبون بها عدو الله وعدوهم؟
أما آن لهم -أو لكثير منهم- أن يتخلوا عن معاركهم الوهمية وخلافاتهم الجانبية والشكلية ليتفرغوا ويركزوا جهودهم المشتركة المادية والمعنوية لمواجهة هذه التحديات التاريخية والمعارك الفاصلة الحقيقية التي اقتربت؟
وليعلم الجميع أن تعرية الأنظمة العلمانية وكشف عمالتها وتآمرها على الشعوب الإسلامية.. خطوة على الطريق الصحيح.
وأن فضح الزنادقة والمنافقين ممن أسبغ عليهم أعداء الإسلام ألقاب الزعامة والعبقرية في السياسة والأدب والفن... خطوة على الطريق الصحيح.
وأن شيوع العلم بأن تحكيم الشريعة الإسلامية يرتبط بأصل دين الإسلام وأن تحكيم القوانين الوضعية ردة صريحة عن الإسلام... خطوة على الطريق الصحيح.
وإن إحياء فريضة الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. خطوة على الطريق الصحيح.
وأن تعلم العلوم الشرعية وتعليمها والعمل بها.. خطوة على الطريق الصحيح.
أما آن لنا جميعاً أن تخشع قلوبنا للحق... أما آن لنا هذا؟
{ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق }[الحديد: 16].
نسأل الله الهدى والرشاد، فمنه وحده التوفيق والسداد وهو على كل شيء قدير.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..

==========
الهوامش[1] - لفظ العلمانية ترجمة خاطئة لكلمة (Secularism) في الإنجليزية أو (Sécularité) بالفرنسية. وهي كلمة لا صلة لها بلفظ (العلم) على الإطلاق فالعلم بالإنجليزية والفرنسية معناه (Science) والمذهب العلمي نطلق عليه كلمة (Scientism).
والترجمة الصحيحة لكلمة (Secularism) هي "اللادينية" أو "الدنيوية"، وتقول دائرة المعارف البريطانية مادة (Secularism) : "هي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها". ولذلك فإن المدلول الصحيح للعلمانية هو (إقامة الحياة على غير الدين) سواء بالنسبة للأمة أو للفرد.
[2] - وخير تعريف للطاغوت ما ذكره الإمام ابن القيم رحمه الله: " الطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله". إعلام الموقعين: 25.
[3] - مقدمة رسالة العبودية لابن تيمية : 6.
[4] - شرح ديوان زهير 81.
[5] - أضواء البيان للشنقيطي 3: 392.
[6] - انظر رواياته في الدر المنثور: 3/230 وأصله في الترمذي: كتاب التفسير وسنده صحيح.
[7] - فتح المجيد: 86 نقلاً عن الإيمان.

جمع وإعداد محمد عبد الهادي المصري


















العلمانية .. وثمارها الخبيثة

الحمد لله رب العالمين قيوم السموات والأرضين مدبر الخلائق أجمعين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الملك الحق المبين ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، الصادق الأمين ، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين .
وبعد .. فهذه مقالة مقتضبة ، كتبها بعض العلماء في طائفة وفرقة خرجت في هذه الأزمنة ، وتمكنت في الكثير من دول الإسلام ، ألا وهي فرقة ( العلمانية ) ، التي يظهر منها الحب ، والوئام لأفراد الأمة ، ولكنها تظهر أحيانًا خفايا تضمرها تنبئ عن حقد ، وشنآن للدين الإسلامي ، وتعاليمه ، وتتنكر للحدود الشرعية ، وللعبادات ، والمعاملات الدينية ، وتجعل جل هدفها المصالح ، والشهوات النفسية ، وترى عزل الدين عن الدولة ، وترمي المتمسكين به بالتخلف ، والجحود ، والتأخر ، ولاشك أن هذه الطائفة أخطر على الأمة من المنافقين الأولين ، ومن كل الطوائف المنحرفة .
ولقد أبان الكاتب وفقه الله جُلَّ أهداف هذه الفرقة الضالة ، وأكبر خطرها .. فجدير بالمسلم أن يأخذ حذره ، وأن يعرف عدوه ، وأن يبعد بنفسه ، وبإخوانه عن أمثال هؤلاء العلمانيين ، ليسلك سبيل النجاة .. والله الموفق الهادي إلى سبيل الرشاد .
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلمعبدالله بن عبدالرحمن الجبرين

المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم .
أما بعد :
فإن أمتنا الإسلامية اليوم تمر بقترة من أسوأ فترات حياتها ، فهي الآن ضعيفة مستذلة ، قد تسلط عليها أشرار الناس من اليهود والنصارى ، وعبدة الأوثان ، وما لذلك من سبب إلا البُعد عن الالتزام بالدين الذي أنزله الله لنا ، هداية ورشادًا ، وإخراجًا لنا من الظلمات إلى النور .
وقد كان هذا البُعد عن الدين في أول أمره مقصورًا على طائفة من المسلمين ، لكنه بدأ الآن ينساح حتى تغلغل في طائفة كبيرة من الأمة ، وقد كان لانتشار العلمانية على المستوى الرسمي والمستوى الفكري والإعلامي الأثر الأكبر ، في ترسيخ هذا البُعد وتثبيته ، والحيلولة دون الرجوع مرة أخرى إلى نبع الهداية ومعدن التقوى .
من هنا كانت هذه الرسالة الموجزة عن ( العلمانية وثمارها الخبيثة ) في بلاد المسلمين ، لعلها تُؤتي ثمارها في تبصير المسلمين بحقيقة هذه الدعوة ، ومصادرها ، وخطرها على ديننا ، وآثارها المميتة ، حتى نسارع في التحصن منها ، ومقاومتها ، وفضح دُعاتها ، والقضاء عليها - بإذن الله - حتى نعود إلى ديننا ، وتعود لنا العزة كما كانت ، { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } .
نسأل الله من فضله التوفيق والإرشاد والسداد .
مــحــمــد شــاكــر الــشــريــف
مكة المكرمة

ما هي العلمانية ؟!
سؤال قصير ، لكنه في حاجة إلى جواب طويل ، واضح وصريح ، ومن الأهمية بمكان أن يعرف المسلمون جوابًا صحيحًا لهذا السؤال ، وقد كُتِبَتْ - بحمد الله - عدة كتب في هذا المجال ، وما علينا إلا أن نعلم فتعمل .
نعود إلى جوانب سؤالنا ، ولن نتعب في العثور على الجواب الصحيح ، فقد كفتنا القواميس المؤلفة في البلاد الغربية ، التي نشأت فيها العلمانية مؤنة البحث والتنقيب ، فقد جاء في القاموس الإنجليزي ، أن كلمة ( علماني ) تعني :
1- دنيوي أو مادي .2- ليس بديني أو ليس بروحاني .3- ليس بمترهب (1) ، ليس برهباني .
وجاء أيضًا في نفس القاموس ، بيان معنى كلمة العلمانية ، حيث يقول : العلمانية : هي النظرية التي تقول : إن الأخلاق والتعليم يجب أن لا يكونا مبنيين على أسس دينية .
وفي دائر المعارف البريطانية ، نجدها تذكر عن العلمانية : أنها حركة اجتماعية ، تهدف إلى نقل الناس من العناية بالآخرة إلى العناية بالدار الدنيا فحسب .
ودائرة المعارف البريطانية حينما تحدثت عن العلمانية ، تحدثت عنها ضمن حديثها عن الإلحاد ، وقد قسمت دائرة المعارف الإلحاد إلى قسمين :
* إلحاد نظري .* إلحاد عملي ، وجعلت العلمانية ضمن الإلحاد العملي (2) .وما تقدم ذكره يعني أمرين :أولهما : أن العلمانية مذهب من المذاهب الكفرية ، التي ترمي إلى عزل الدين عن التأثير في الدنيا ، فهو مذهب يعمل على قيادة الدنيا في جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والقانونية وغيرها ، بعيدًا عن أوامر الدين ونواهيه .ثانيهما : أنه لا علاقة للعلمانية بالعلم ، كما يحاول بعض المراوغين أن يلبس على الناس ، بأن المراد بالعلمانية : هو الحرص على العلم التجريبي والاهتمام به ، فقد تبين كذب هذا الزعم وتلبيسه بما ذكر من معاني هذه الكلمة في البيئة التي نشأت فيها .
ولهـذا ، لو قيـل عن هذه الكلمة ( العلمانية ) إنها : ( اللادينية ، لكان ذلك أدق تعبيرًا وأصدق ) ، وكان في الوقت نفسه أبعد عن التلبيس وأوضح في المدلول .

كيف ظهرت العلمانية
كان الغرب النصراني في ظروفه الدينية المتردية هو البيئة الصالحة ، والتربة الخصبة ، التي نبتت فيها شجرة العلمانية وترعرعت ، وقد كانت فرنسا بعد ثورتها المشهورة هي أول دولة تُقيم نظامها على أسس الفكر العلماني ، ولم يكن هذا الذي حدث من ظهور الفكر العلماني والتقيد به - بما يتضمنه من إلحاد ، وإبعاد للدين عن كافة مجالات الحياة ، بالإضافة إلى بغض الدين ومعاداته ، ومعاداة أهله - أقول لم يكن هذا حدثًا غريبًا في بابه ، ذلك لأن الدين عندهم حينئذ لم يكن يمثل وحي الله الخالص الذي أوحاه إلى عبده ورسوله المسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام - ، وإنما تدخلت فيه أيدي التحريف والتزييف ، فبدلت وغيرت وأضافت وحذفت ، فكان من نتيجة ذلك أن تعارض الدين المُبدَّل  مع مصالح الناس في دنياهم ومعاملاتهم ، في الوقت نفسه الذي تعارض مع حقائق العلم الثابتة ، ولم تكتفِ الكنيسة - الممثلة للدين عندهم - بما عملته أيدي قسيسيها ورهبانها من التحريف والتبديل ، حتى جعلت ذلك دينًا يجب الالتزام والتقيد به ، وحاكمت إليه العلماء المكتشفين ، والمخترعين ، وعاقبتهم على اكتشافاتهم العلمية المناقضة للدين المبدل ، فاتهمت بالزندقة والإلحاد ، فقتلت من قتلت ، وحرَّقت من حرَّقت ، وسجنت من سجنت .
ومن جانب آخر فإن الكنيسة - الممثلة للدين عند النصارى - أقامت تحالفًا غير شريف مع الحكام الظالمين ، وأسبغت عليهم هالاتٍ من التقديس ، والعصمة ، وسوَّغت لهم كل ما يأتون به من جرائـم وفظائع في حـق شعوبهم ، زاعمـة أن هذا هو الدين الذي ينبغي على الجميع الرضوخ له والرضا به .
من هنا بدأ الناس هناك يبحثون عن مهرب لهم من سجن الكنيسة ومن طغيانها ، ولم يكن مخرجهم الذي اختاروه إذ ذاك ، إلا الخروج على ذلك الدين - الذي يحارب العلم ويناصر المجرمين - والتمر  عليه ، وإبعاده وطرده ، من كافـة جوانب الحياة السياسية ، والاقتصادية ، والعلمية ، والأخلاقية ، وغيرها .
ويا ليتهم إذ خرجوا على هذا الدين المبدل اهتدوا إلى دين الإسلام ، ولكنهم أعلنوها حربًا على الدين عامة .
وإذا كان هذا الذي حدث في بلاد الغرب النصراني ليس بغريب ، فإنه غير ممكن في الإسلام ، بل ولا متصور الوقوع ، فوحي الله في الإسلام لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فلا هو ممكن التحريف والتبديل ، ولا هو ممكن أن يُزاد فيه أو يُنقص منه ، وهو في الوقت نفسه لا يحابي أحدًا ، سواء كان حاكمًا أو محكومًا ، فالكل أمام شريعته سواء ، وهو أيضًا يحافظ على مصالح الناس الحقيقية ، فليس فيه تشريع واحد يُعارض مصلحة البشرية ، وهو أيضًا يحرص على العلم ويحض عليه ، وليس فيه نص شرعي صحيح يُعارض حقيقة علمية ، فالإسلام حق كله ، خير كله ، عدل كله ، ومن هنا فإن كل الأفكار والمناهج التي ظهرت في الغرب بعد التنكر للدين والنفور منه ، ما كان لها أن تظهر ، بل ما كان لها أن تجد آذانًا تسمع في بلاد المسلمين ، لولا عمليات الغزو الفكري المنظمة ، والتي صادفت في الوقت نفسه قلوبًا من حقائق الإيمان خاوية ، وعقولاً عن التفكير الصحيح عاطلة ، ودينًا في مجال التمدن ضائعة متخلفة .
ولقد كان للنصارى العرب المقيمين في بلاد المسلمين دورٌ كبيرٌ ، وأثرٌ خطيرٌ ، في نقل الفكر العلماني إلى ديار المسلمين ، والترويج له ، والمساهمة في نشره عن طريق وسائل الإعلام المختلفة ، كما كان أيضًا للبعثات التعليمية التي ذهب بموجبها طلاب مسلمون إلى بلاد الغرب لتلقي أنواع العلوم الحديثة أثرٌ كبيرٌ في نقل الفكر العلماني ومظاهره إلى بلاد المسلمين ، حيث افتتن الطلاب هناك بما رأوا من مظاهر التقدم العلمي وآثاره ، فرجعوا إلى بلادهم محملين بكل ما رأوا من عادات وتقاليد ، ونظم اجتماعية ، وسياسية ، واقتصادية ، عاملين على نشرها والدعوة إليها ، في الوقت نفسه الذي تلقاهم الناس فيه بالقبول الحسن ، توهمًا منهم أن هؤلاء المبعوثين هم حملة العلم النافع ، وأصحاب المعرفة الصحيحة ، ولم تكن تلك العادات والنظم والتقاليد التي تشبع بها هؤلاء المبعوثون وعظموا شأنها عند رجوعهم إلى بلادهم إلا عادات ، وتقاليد ونظم مجتمع رافض لكل ما له علاقة ، أو صلة بالدين .
ومثل هذا السرد الموجز وإن كان يدلنا على كيفية دخول العلمانية إلى بلاد المسلمين ، ( فإنه أيضًا ينبهنا إلى أمرين هامين ) :
أحدهما : خطورة أصحاب العقائد الأخرى ، من النصارى وغيرهم الذين يعيشون في بلاد المسلمين ، وكيف أنهم يكيدون للإسلام وأهله ؟ مما يوجب علينا الحذر كل الحذر من هؤلاء الناس ، وأن ننزلهم المنزلة التي أنزلهم الله إليها ، فلا نجعل لهم في بلاد المسلمين أدنى نوع من أنواع القيادة والتوجيه ، كما ينبغي أن تكون كل وسائل الإعلام والاتصال بالجماهير موصودة الأبواب في وجوههم ، حتى لا يبثوا سمومهم بين المسلمين .. لكن من يفعل ذلك ! وكثير من الأنظمة تجعل لهم مكانة سامية من أجل نشر هذه السموم .. حسبنا الله ونعم الوكيل .ثانيهما : خطورة الابتعاث  الشديدة على أبناء المسلمين ، فكم من مسلم ذهب إلى هناك ثم رجع بوجه غير الوجه الذي ذهب به ، وقلب غير القلب الذي ذهب به ، وإذا كانت هناك دواعي لذهاب المسلمين للحصول على المعرفة في مجال العلوم التجريبية ، فكيف يمكننا القبول بذهاب بعض المسلمين للحصول على درجة علمية في علوم الشريعة بعامة ، واللغة العربية بخاصة ؟!!
فهل اللغة العربية لغتهم أم لغتنا ؟! وهل القرآن الكريم أنزل بلغتهم أم بلغتنا ؟!
وهل يُعقل أن المسلم يمكنه الحصول على المعرفة الصحيحة بعلوم الإسلام وشريعته من أناس هم أشدُّ الناس كفرًا وحقدًا على الإسلام وأهله ؟!

صور العلمانية
للعلمانية صورتان ، كل صورة منهما أقبح من الأخرى :الصورة الأولى : العلمانية الملحدة : وهي التي تنكر الدين كلية : وتنكر وجود الله الخالق البارئ المصور ، ولا تعترف بشيء من ذلك ، بل وتحارب وتعادي من يدعو إلى مجرد الإيمان بوجود الله ، وهذه العلمانية على فجورها ووقاحتها في التبجح بكفرها ، إلا أن الحكم بكفرها أمر ظاهر ميسور لكافة المسلمين ، فلا ينطلي - بحمد الله - أمرها على المسلمين ، ولا يُقبل عليها من المسلمين إلا رجل يريد أن يفـارق دينه ، ( وخطر هذه الصورة من العلمانية من حيث التلبيس على عوام المسلمين خطر ضعيف ) ، وإن كان لها خطر عظيم من حيث محاربة الدين ، ومعاداة المؤمنين وحربهم وإيذائهم بالتعذيب ، أو السجن أو القتل .الصورة الثانية : العلمانية غير الملحدة (3) وهي علمانية لا تنكر وجود الله ، وتؤمن به إيمانًا نظريًا : لكنها تنكر تدخل الدين في شؤون الدنيا ، وتنادي بعزل الدين عن الدنيا ، ( وهذه الصورة أشد خطرًا من الصورة السابقة ) من حيث الإضلال والتلبيس على عوام المسلمين ، فعدم إنكارها لوجود الله ، وعدم ظهور محاربتها للتدين (4) يغطي على أكثر عوام المسلمين حقيقة هذه الدعوة الكفرية ، فلا يتبينون ما فيها من الكفر لقلة علمهم ومعرفتهم الصحيحة بالدين ، ولذلك تجد أكثر الأنظمة الحاكمة اليوم في بلاد المسلمين أنظمة علمانية ، والكثرة الكاثرة والجمهور الأعظم من المسلمين لا يعرفون حقيقة ذلك .
ومثل هذه الأنظمة العلمانية اليوم ، تحارب الدين حقيقة ، وتحارب الدعاة إلى الله ، وهي آمنة مطمئنة أن يصفها أحد بالكفر والمروق من الدين ؛ لأنها لم تظهر بالصورة الأولى ، وما ذلك إلا لجهل كثير من المسلمين ، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعلمنا وسائر المسلمين ، وأن يفقه الأمة في دينها حتى تعرف حقيقة هذه الأنظمة المعادية للدين .
ولهذا فليس من المستبعد أو الغريب عند المسلم الفاهم لدينه أن يجد في كلمات أو كتابات كثير من العلمانيين المعروفين بعلمانيتهم ذكر الله سبحانه وتعالى ، أو ذكر رسوله -  - أو ذكر الإسلام ، وإنما تظهر الغرابة وتبدو الدهشة عند أولئك الذين لا يفهمون حقائق الأمور .
والخلاصة : أن العلمانية  بصورتيها السابقتين كفر بواح لاشك فيها ولا ارتياب ، وأن من آمن بأي صورة منها وقبلها فقد خرج من دين الإسلام والعياذ بالله ، وذلك أن الإسلام دين شامل كامل ، له في كل جانب من جوانب الإنسان الروحية ، والسياسية ، والاقتصادية ، والأخلاقية ، والاجتماعية ، منهج واضح وكامل ، ولا يقبل ولا يُجيز أن يشاركه فيه منهج آخر ، قال الله تعالى مبينًا وجوب الدخول في كل مناهج الإسلام وتشريعاته : { يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة } . وقال تعالى مبينًا كفر من أخذ بعضًا من مناهج الإسلام ، ورفض البعض الآخر ، { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون } .
والأدلة الشرعية كثيرة جدًا في بيان كفر وضلال من رفض شيئًا محققًا معلومًا أنه من دين الإسلام ، ولو كان هذا الشيء يسيرًا جدًا ، فكيف بمن رفض الأخذ بكل الأحكام الشرعية المتعلقة بسياسة الدنيا - مثل العلمانيين - من فعل ذلك فلاشك في كفره .
والعلمانييون قد ارتكبوا ناقضًا من نواقض الإسلام ، يوم أن اعتقدوا أن هدي غير النبي - صلى الله عليه وسلم - أكمل من هديه ، وأن حكم غيره أفضل من حكمه (5) .* قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - : ( ويدخل في القسم الرابع - أي من نواقض الإسلام - من اعتقد أن الأنظمة القوانين التي يسنها الناس أفضل من شريعة الإسلام ، أو أن نظام الإسلام لا يصلح تطبيقه في القرن العشرين ، أو أنه كان سببًا في تخلف المسلمين ، أو أنه يُحصر في علاقة المرء بربه ، دون أن يتدخل في شؤون الحياة الأخرى ) (6) .

طبقات العلمانيين
والعلمانيون في العالم العربي والإسلامي كثيرون - لا أكثر الله من أمثالهم - منهم كثير من الكتاب والأدباء والصحفيين ، ومنهم كثير ممن يسمونهم بالمفكرين ، ومنهم أساتذة في الجامعات ، ومنهم جمهرة غفيرة منشرة في وسائل الإعلام المختلفة ، وتسيطر عليها ، ومنهم غير ذلك .
وكل هذه الطبقات تتعاون فيما بينها ، وتستغل أقصى ما لديها من إمكانات لنشر العلمانية بين الناس ، حتى غدت العلمانية متفشية في جل جوانب حياة المسلمين ، نسأل الله السلامة والعافية .

نتائج العلمانية في العالم العربي والإسلامي
وقد كان لتسرب العلمانية إلى المجتمع الإسلامي أسوأ الأثر على المسلمين في دينهم ودنياهم .
وهاهي بعض الثمار الخبيثة للعلمانية :
1- رفض الحكم بما أنزل الله سبحانه وتعالى ، وإقصاء الشريعة عن كافة مجالات الحياة ، والاستعاضة عن الوحي الإلهي المُنزَّل على سيد البشر محمد بن عبدالله -  - ، بالقوانين الوضعية التي اقتبسوها عن الكفار المحاربين لله ورسوله ، واعتبار الدعوة إلى العودة إلى الحكم بما أنزل الله وهجر القوانين الوضعية ، اعتبار ذلك تخلفًا ورجعية وردة عن التقدم والحضارة ، وسببًا في السخرية من أصحاب هذه الدعوة واحتقارهم ، وإبعادهم عن تولي الوظائف التي تستلزم الاحتكاك بالشعب والشباب ، حتى لا يؤثروا فيهم .2- تحريف التاريخ الإسلامي وتزييفه ، وتصوير العصور الذهبية لحركة الفتوح الإسلامية ، على أنها عصور همجية تسودها الفوضى ، والمطامع الشخصية .3- إفساد التعليم وجعله خادمًا لنشر الفكر العلماني وذلك عن طريق :أ- بث الأفكار العلمانية في ثنايا المواد الدراسية بالنسبة للتلاميذ ، والطلاب في مختلف مراحل التعليم .ب - تقليص الفترة الزمنية المتاحة للمادة الدينية إلى أقصى حد ممكن .جـ - منع تدريس نصوص معينة لأنها واضحة صريحة في كشف باطلهم .د - تحريف النصوص الشرعية عن طريق تقديم شروح مقتضبة ومبتورة لها ، بحيث تبدو وكأنها تؤيد الفكر العلماني ، أو على الأقل أنها لا تعارضه .هـ - إبعاد الأساتذة المتمسكين بدينهم عن التدريس ، ومنعهم من الاختلاط بالطلاب ، وذلك عن طريق تحويلهم إلى وظائف إدارية أو عن طريق إحالتهم إلى المعاش .و - جعل مادة الدين مادة هامشية ، حيث يكون موضعها في آخر اليوم الدراسي ، وهي في الوقت نفسه لا تؤثر في تقديرات الطلاب .4- إذابة الفوارق بين حملة الرسالة الصحيحة ، وهم المسلمون ، وبين أهل التحريف والتبديل والإلحاد ، وصهر الجميع في إطار واحد ، وجعلهم جميعًا بمنزلة واحدة من حيث الظاهر ، وإن كان في الحقيقة يتم تفضيل أهل الكفر والإلحاد والفسوق والعصيان على أهل التوحيد والطاعة والإيمان .
فالمسلم والنصراني واليهودي والشيوعي والمجوسي والبرهمي كل هؤلاء وغيرهم ، في ظل هذا الفكر بمنزلة واحدة يتساوون أمام القانون ، لا فضل لأحد على الآخر إلا بمقدار الاستجابة لهذا الفكر العلماني .
وفي ظل هذا الفكر يكون زاج النصراني أو اليهودي أو البوذي أو الشيوعي بالمسلمة أمرًا لا غبار عليه ، ولا حرج فيه ، كذلك لا حرج عندهم أن يكون اليهودي أو النصراني أو غير ذلك من النحل الكافرة حاكمًا على بلاد المسلمين .
وهم يحاولون ترويج ذلك في بلاد المسلمين تحت ما سموه بـ ( الوحدة الوطنية ) .
بل جعلوا ( الوحدة الوطنية ) هي الأصل والعصام ، وكل ما خالفوها من كتاب الله أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - طرحوه ورفضوه ، وقالوا : ( هذا يعرض الوحدة الوطنية للخطر !! ) .
5- نشر الإباحية والفوضى الأخلاقية ، وتهديم بنيان الأسرة باعتبارها النواة الأولى في البنية الاجتماعية ، وتشجيع ذلك والحض عليه : وذلك عن طريق : أ - القوانين التي تبيح الرذيلة ولا تعاقب عليها ، وتعتبر ممارسة الزنا والشذوذ من باب الحرية الشخصية التي يجب أن تكون مكفولة ومصونة .ب - وسائل الإعلام المختلفة من صحف ومجلات وإذاعة وتلفاز التي لا تكل ولا تمل من محاربة الفضيلة ، ونشر الرذيلة بالتلميح مرة ، وبالتصريح مرة أخرى ليلاً ونهارًا .جـ - محاربة الحجاب وفرض السفور والاختلاط في المدارس والجامعات والمصالح والهيئات .6- محاربة الدعوة الإسلامية عن طريق :أ - تضييق الخناق على نشر الكتاب الإسلامي ، مع إفساح المجال للكتب الضالة المنحرفة التي تشكك في العقيدة الإسلامية ، والشريعة الإسلامية .ب - إفساح المجال في وسائل الإعلام المختلفة للعلمانيين المنحرفين لمخاطبة أكبر عدد من الناس لنشر الفكر الضال المنحرف ، ولتحريف معاني النصوص الشرعية ، مع إغلاق وسائل الإعلام في وجه علماء المسلمين الذين يُبصِّرون الناس بحقيقة الدين .7- مطاردة الدعاة إلى الله ، ومحاربتهم ، وإلصاق التهم الباطلة بهم ، ونعتهم بالأوصاف  الذميمة ، وتصويرهم على أنهم جماعة متخلفة فكريًا ، ومتحجرة عقليًا ، وأنهم رجعيون ، يُحارون كل مخترعات العلم الحديث النافع ، وأنهم متطرفون متعصبون لا يفقهون حقيقة الأمور ، بل يتمسكون بالقشور ويَدعون الأصول .8- التخلص من المسلمين الذين لا يهادنون العلمانية ، وذلك عن طريق النفي أو السجن أو القتل .9- إنكار فريضة الجهاد في سبيل الله ، ومهاجمتها واعتبارها نوعًا من أنواع الهمجية وقطع الطريق .
وذلك أن الجهاد في سبيل الله معناه القتال لتكون كلمة الله هي العليا ، وحتى لا يكون في الأرض سلطان له القوة والغلبة والحكم إلا سلطان الإسلام ، والقوم - أي العلمانيين - قد عزلوا الدين عن التدخل في شؤون الدنيا ، وجعلوا الدين - في أحسن أقوالهم - علاقة خاصة بين الإنسان وما يعبد ، بحيث لا يكون لهذه العبادة تأثير في أقواله وأفعاله وسلوكه خارج مكان العبادة .
فكيف يكون عندهم إذن جهاد في سبيل إعلاء كلمة الدين ؟!!
والقتال المشروع عند العلمانيين وأذنابهم إنما هو القتال للدفاع عن المال أو الأرض ، أما الدفاع عن الدين والعمل على نشره والقتال في سبيله ، فهذا عندهم عمل من أعمال العدوان والهمجية التي تأباها الإنسانية المتمدنة !!
10- الدعوة إلى القومية أو الوطنية ، وهي دعوة تعمل على تجميع الناس تحت جامع وهمي من الجنس أو اللغة أو المكان أو المصالح ، على ألا يكون الدين عاملاً من عوامل التجميع ، بل الدين من منظار هذه الدعوة يُعد عاملاً من أكبر عوامل التفرق والشقاق ، حتى قال قائل منهم : ( والتجربة الإنسانية عبر القرون الدامية ، دلَّت على أن الدين - وهو سبيل الناس لتأمين ما بعد الحياة - ذهب بأمن الحياة ذاتها ) .
هذه هي بعض الثمار الخبيثة التي أنتجتها العلمانية في بلاد المسلمين ، وإلا فثمارها الخبيثة أكثر من ذلك بكثير .
والمسلم يستطيع أن يلمس أو يدرك كل هذه الثمار أو جُلها في غالب بلاد المسلمين ، وهو في الوقت ذاته يستطيع أن يُدرك إلى أي مدى تغلغلت العلمانية في بلدٍ ما اعتمادًا على ما يجده من هذه الثمار الخبيثة فيها .
والمسلم أينما تلفت يمينًا أو يسارًا في أي بلد من بلاد المسلمين يستطيع أن يدرك بسهولة ويسر ثمرة أو عدة ثمار من هذه الثمار الخبيثة ، بينما لا يستطيع أن يجد بالسهولة نفسها بلدًا خاليًا من جميع هذه الثمار الخبيثة .

وسائل العلمانية في تحريف الدين في نفوس المسلمين وتزييفه
للعلمانية وسائل متعددة في تحريف الدين في نفوس المسلمين منها :1- إغراء بعض ذوي النفوس الضعيفة والإيمان المزعزع بمغريات الدنيا من المال والمناصب ، أو النساء لكي يرددوا دعاوى العلمانية على مسامع الناس ، لكنه قبل ذلك يُقام لهؤلاء الأشخاص دعاية مكثفة في وسائل الإعلام التي يسيطر عليها العلمانيون لكي يظهروهم في ثوب العلماء والمفكرين وأصحاب الخبرات الواسعة ، حتى يكون كلامهم مقبولاً لدى قطاع كبير من الناس ، وبذلك يتمكنون من التلبيس على كثير من الناس .2- القيام بتربية بعض الناس في محاضن العلمانية في البلاد الغربية ، وإعطائهم ألقابًا علمية مثل درجة ( الدكتوراه ) أو درجة ( الأستاذية ) ، ثم رجوعهم بعد ذلك ليكونوا أساتذة في الجامعات ، ليمارسوا تحريف الدين وتزييفه في نفوس الطبقة المثقفة على أوسع نطاق ، وإذا علمنا أن الطبقة المثقفة من خريجي الجامعات والمعاهد العلمية ، هم في الغالبية الذين بيدهم أزِمَّة الأمور في بلادهم ، علمنا مدى الفساد الذي يحدث من جراء وجود هؤلاء العلمانيين في المعاهد العلمية والجامعات .3- تجزئ الدين والإكثار من الكلام والحديث والكتابة عن بعض القضايا الفرعية ، وإشغال الناس بذلك ، والدخول في معارك وهمية حول هذه القضايا مع العلماء وطلاب العلم والدعاة لإشغالهم وصرفهم عن القيام بدورهم في التوجيه ، والتصدي لما هو أهم وأخطر من ذلك بكثير .4- تصوير العلماء وطلاب العلم والدعاة إلى الله - في كثير من وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية - على أنهم طبقة منحرفة خلقيًا ، وأنهم طلاب دنيا من مال ومناصب ونساء حتى لا يستمع الناس إليهم ، ولا يثقوا في كلامهم ، وبذلك تخلو الساحة للعلمانيين في بث دعواهم .5- الحديث بكثرة عن المسائل الخلافية ، واختلاف العلماء وتضخيم ذلك الأمر ، حتى يخيل للناس أن الدين كله اختلافات وأنه لا اتفاق على شيء حتى بين العلماء بالدين ، مما يوقع في النفس أن الدين لا شيء فيه يقيني مجزوم به ، وإلا لما وقع هذا الخلاف ، والعلمانيون كثيرًا ما يركزون على هذا الجانب ، ويضخمونه لإحداث ذلك الأثر في نفوس المسلمين ، مما يعني انصراف الناس عن الدين .6- إنشاء المدارس والجامعات والمراكز الثقافية الأجنبية ، والتي تكون خاضعة - في حقيقة الأمر - لإشراف الدول العلمانية التي أنشأت هذه المؤسسات في ديار المسلمين ، حيث تعمل جاهدة على توهـين صلة المسلم بدينه إلى أقصى حدٍّ ممكن ، في نفس الوقت الذي تقوم فيه بنشر الفكر العلماني على أوسع نطاق ، وخاصة في الدراسات الاجتماعية ، والفلسفية ، والنفسية .7- الاتكاء على بعض القواعد الشرعية والمنضبطة بقواعد وضوابط الشريعة ، الاتكاء عليها بقوة في غير محلها وبغير مراعاة هذه الضوابط ، ومن خلال هذا الاتكاء الضال والمنحرف يحاولون تروج كل قضايا الفكر العلماني أو جُلها .
فمـن ذلك مثلاً قاعدة ( المصالح المرسلة ) يفهمونها على غير حقيقتها ويطبقونها في غير موضعها ، ويجعلونها حجة في رفض كل ما لا يحبون من شرائع الإسلام ، وإثبات كل ما يرغبون من الأمور التي تقوي العلمانية وترسخ دعائمها في بلاد المسلمين .
وكذلك قاعدة ( ارتكاب أخف الضررين واحتمال أدنى المفسدتين ) وقاعدة ( الضرورات تبيح المحظورات ) ، ( ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح ) ، ( وصلاحية الإسلام لكل زمان ) ، ( واختلاف الفتوى باختلاف الأحوال ) ، يتخذون من هذه القواعد وأشباهها تُكأة في تذويب الإسلام في  النحل والملل الأخرى ، وتمييعه في نفوس المسلمين .
كما يتخذون هذه القواعد أيضًا منطلقًا لنقل كل النظم الاقتصادية ، والسياسية السائدة في عالم الكفار إلى بلاد المسلمين ، من غير أن يتفطن أكثر الناس إلى حقيقة هذه الأمور .
وفي تصوري أن هذا المسلك من أخطر المسالك وأشدها ضررًا لما فيه من شبهة وتلبيس على الناس أن هذه الأمور إنما هي مرتكزة على قواعد شرعية معترف بها ، وكشف هذا المسلك على وجه التفصيل ومناقشة كثير من هذه الأمور على وجه البسط والتوضيح في حاجة إلى كتابة مستقلة لكشف كل هذه الأمور وتوضيحها وإزالة ما فيها من لبس أو غموض .
ونحن نحب أن نؤكد هنا أن اعتمادهم على هذه القواعد أو غيرها ليس لإيمانهم بها ، وليس لإيمانهم بعموم وشمول وكمال الدين الذي انبثقت منه هذه القواعد ، وإنما هي عندهم أداة يتوصلون بها إلى تحقيق غاياتهم الضالة المنحرفة .

واجب المسلمين
في ظل هذه الأوضاع بالغة السوء التي يعيشها المسلمون ، فإن على المسلمين واجبًا كبيرًا وعظيمًا ألا وهو العمل على تغيير هذا الواقع الأليم الذي يكاد يُحرِّف الأمة كلها بعيدًا عن الإسلام .
والمسلمون جميعهم اليوم مطالبون ببذل كل الجهد : من الوقت والمال والنفس والولد لتحقيق ذلك ، وإن كان العلماء وطلاب العلم والدعاة إلى الله وأصحاب القوة والشوكة عليهم من الوجوب ما ليس على غيرهم ، لأنهم في الحقيقة هم القادة وغيرهم من الناس تبع لهم .
ولا خروج للمسلمين من هذا الواقع الأليم إلا بالعلم والعمل ، فالعلم الذي لا يتبعه عمل لا يغير من الواقع شيئًا ، والعمل على غير علم وبصيرة يُفسد أكثر مما يُصلح .
ولا أقصد بالعلم العلم ببعض القضايا الفقهية الفرعية ولا ببعض الآداب ومحاسن العادات ، كما يحرص كثير من الناس على مثل هذه الأمور ، ويضعونها في مرتبة أكبر من مرتبتها في ميزان الإسلام ، ولكني أقصد بالعلم ، العلم الذي يورث إيمانًا صحيحًا صادقًا في القلب ، مؤثرًا حب الله ورسوله ودينه على كل ما سوى ذلك ، وباعثًا على العمل لدين الله والتمكين له في الأرض وإن كلفه ذلك ما كلفه من بذل النفس والنفيس ، ولن يتأتى ذلك إلا بالعلم الصحيح بحقيقة دين الإسلام ، واليقين الكامل التام الشامل بحقيقة التوحيد أساس البنيان في دين الإسلام ، ثم لابد مع ذلك من العلم بالمخاطر التي تتهدد الأمة الإسلامية ، والأعداء الذين يتربصون بها والدعوات الباطلة والهدامة التي يُروَّج لها ، وما يتبع ذلك من تحقيق البراءة من أعداء الدين ، وتحقيق الولاية للمؤمنين الصادقين .
وإذا كان من الواجب على المسلمين طلب العلم والدأب في تحصيله وسؤال أهل الذكر ، ليكون المرء على بصيرة كاملة ووعي صحيح ، فإن من الواجب على أصحاب القلم - من الكُتَّاب والناشرين - العمل على الإكثار من نشر الكتاب الإسلامي الذي يربط المسلمين بالإسلام كله ، والذي يُعطي كل شرعة من شرائع الإسلام وكل حكم من أحكامه قدره ومنزلته في ميزان الإسلام ، بحيث لا يزيد به عن قدره ولا ينزل به عن مرتبته ، ولا يضخم جانبًا على حساب جوانب أخرى متعددة ، وفي هذا الصدد فإن الكُتَّاب والناشرين مدعُوُّون بقوة إلى الالتزام بذلك ، وخاصة في تلك الظروف العصيبة الحرجة التي تمر بها الأمة الإسلامية ، فلا يليق بهم ولا ينبغي لهم أن يُجَاروا رغبات العوام وغيرهم في الإكثار والتركيز على جانب معين من جوانب الدين مع إهمال جوانب أخرى هي في ميزان الإسلام أجلّ قدرًا وأخطر شأنًا .
ونحن في هذا الصدد لا نريد أن نقع فيما وقع فيه غيرنا فندعو إلى إهمال الجانب الأقل في ميزان الإسلام لحساب الجانب الأكبر ، ولكنا ندعو إلى التوازن بحيث تكون الكتابات في الجوانب المختلفة متوازنة مع مرتبتها وثقلها في ميزان الإسلام ، فلا يُقبل أن تكون المكتبة الإسلامية مملوءة بالكتابات المختلفة المتنوعة عن الجن ، والسحر ، والشعوذة ، والورع ، والزهد ، والأذكار ، وفضائل الأعمال ، وفروع الفروع الفقهية ، وأشباه ذلك (7) ، بينما نجد المكتبة تكاد تكون خاوية من الكتاب الميسر الصالح للتناول لتناول العام في مجالات بالغة الأهمية .
مثل : أحكام الفقه السياسي في الإسلام : أو بالتعبير القديم ( الأحكام السلطانية ) .ومثل : مناقشة النحل الكثيرة التي بدأت تنتشر في عالم المسلمين ( كالعلمانية ، والديمقراطية ، والقومية ، والاشتراكية ، والأحزاب ذات العقائد الكفرية كحزب البعث ، والأحزاب القومية ، وغير ذلك ) .ومثل : الكتابات التي تتحدث عن الجهاد ، لا أقصد الجهاد بمعنى فرضيته ودوامه إلى قيام الساعة ، ولكن أقصد إلى جانب ذلك الكلام عن جهاد المرتدين اليوم في عالم الحكام ، وأصحاب السلطان الذين تبنوا المذاهب الاشتراكية ، والعلمانية ، والقومية ، والديمقراطية ، وغير ذلك ودعوا إليها وألزموا الناس بها .ومثل : الحديث عن كيفية العمل لإعادة الخلافة الضائعة ، إلى غير ذلك من المواضيع ذات الأهمية البالغة في حياة المسلمين ، وإذا نظر الإنسان إلى ما كُتب في هذه المواضيع ، وما كُتب في المواضيع الأخرى لهاله التباين الشديد في هذا الأمر ، وإذا نظر أيضًا إلى كمية المباع من ذاك ومن هذا لهاله الأمر أكثر وأكثر .قد يقول الكتاب والناشرون : إن الناس لديهم عزوف عن قراءة هذه المواضيع ، لكن منذ متى كان لصاحب الرسالة التي يريد لها الذيوع والانتشار أن يطاوع الأهواء والرغبات ، وإذا كان حقًّا ما يُقال عن هذا العزوف ، فأنتم مشتركون بنصيب وافر في ذلك ؛ لأنكم طاوعتموهم على ذلك ، ولم تبصروهم بأهمية التوازن وعدم تضخيم جانب وإهمال جوانب أخرى ؛ لأن هذا الأمر سيؤدي بالناس في النهاية إلى حصر الإسلام وتضييق نطاقه في إطار عبادة من العبادات أو أدب من الآداب أو عادة من العادات ، بل قد انحصر الإسلام فعلاً عند كثير من الناس في أداء الصلاة ، وصيام رمضان ، وبعضهم انحصر الإسلام عنده في مجموعة من الأذكار ، وبعضهم انحصر الإسلام عنده في حسن الخلق ، وبعضهم انحصر الإسلام عنده في هيئة أو زي أو لباس ، وبعضهم انحصر الإسلام عنده في العلم ببعض فروع الفقه ، أو العلم ببعض قضايا مصطلح الحديث ، وهكذا .
فإذا خاطبت الكثير منهم عن عموم الإسلام وشموله وحدثتهم عن بعض القضايا الهامة والملحة والمنبثقة من توحيد الله والإيمان باليوم الآخر مثل الحديث عن الحكم بما أنزل الله ، والالتزام بشرعه ووجوب السعي لإقامة دولة الإسلام وإعادة الخلافة ، وبيان بطلان المذاهب الكفرية كالعلمانية ، والديمقراطية ، وغير ذلك ، ظنوك تتحدث عن دين غير دين الإسلام ، وقالوا : هذا اشتغال بالسياسة ، ولا يجوز إدخال الدين في السياسة .
ومثل هؤلاء لو تأكد عليهم الكلام في مثل هذه القضايا في خطب الجمعة ، وفي دروس وحلقات العلم في المساجد ، وفي الكتابات الميسرة التي يمكنهم قراءتها وفهمها بيسر ، لم يصدر عنهم مثل هذا الكلام الضال المنحرف .
ونحن يجب علينا كتابًا وناشرين ألا نشارك في تزييف الدين وتجزئته عن طريق عرضه عرضًا ناقصًا مقصورًا على جانب من جوانبه استجابة لرغبة القراء ، ولحركة البيع والشراء ، فنكون بذلك محققين لهدف كبير من أهداف العلمانية في تضييق نطاق الدين وعزله عن الحياة .
وقد يقول الكتاب والناشرون : نحن لا نكتب في هذه الأمور لأنها مسائل كبيرة والخطأ فيها ليس بالهين ، وهي تحتاج إلى علم كثير هو ليس في وسعنا ، وأنا معهم في هذا القول في أن كثيرين ممن يكتب هذه الأيام لا يصلح للكتابة في هذه الأمور .. إما لعدم فقههم لهذه الأمور ، وإما لأن فقههم لها قاصر ومبتور ، وإذا كان ذلك صحيحًا - وهو صحيح - في حق كثيرين ، فأين العلماء الكبار ، وأين الشيوخ الأجلاء ، وإذا لم يكن هذا هو دورهم ومهمتهم ، فما هو دورهم إذن في العمل على تغيير هذا الواقع الأليم ؟!
وفي إطار الحديث عن العلم ونشره فإن فئة المعلمين من المدرسين والأساتذة من أدنى مراحل التعليم إلى أعلاها عليهم واجب من أهم الواجبات العامة في حقهم وآكدها وهذا الواجب يتمثل في :
1- العمل على أسلمة المناهج بحيث تصب كل المناهج العلمية في إطار خدمة الإسلام ، وبحيث لا يكون الهدف العلمي البحت ، هو الهدف الوحيد من تدريس هذا العلم ، ونظرًا لأن ديننا من عند الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وأن المكتشفات العلمية هي من خلق الله فلا تعارض إذن ولا تناقض بين العلم والدين ، وبالتالي فإن كثيرًا من الحقائق العلمية يمكن استخدامها كأدلة في مجال الإيمان ، وكثير من القوانين العلمية يمكن استخدامها كردود أو إبطال لنظريات إلحادية من وجهة نظر العلم التجريبي الذي يؤمن به الملحدون ولا يعولون على غيره ، وعلى ذلك فإن المناهج العلمية الموضوعة للتلاميذ والطلاب لابد أن يراعى فيها ذلك ، ولابد من توضيح ذلك الأمر بأوضح بيان ، ولا يكفي فيه الإشارة والتلميح ، وهذا الأمر واجب أكيد في حق أولئك الذين يضعون هذه المناهج ويقررون تدريسها .2-تنقية المواد العلمية من الكفريات والضلالات المدسوسة بها ، فقد يحدث أن يضع هذه المواد ومناهجها أناس غرباء على الدين ، فالواجب على المدرس المسلم ألا يقوم بتدريس المادة العلمية كما هي ، بل لا يحق له ذلك ، وينبغي عليه كشف هذه الضلالات للطلاب وتحذيرهم منها ، وبيان الصواب فيها ، فلا يكتفي المعلم بدوره كمعلم للمادة فقط ، بل يربط هذه العلوم بالإسلام وينقيها مما فيها من الشوائب ويكون في الوقت نفسه داعية وواعظًا ومرشدًا إلى جانب كونه معلمًا ومثقفًا .3- أن ينتهز المعلم الفرصة كلما سنحت له لتوضيح مفهوم من مفاهيم الإسلام ، أو لتثبيت عقيدة من العقائد أو لبيان قضية من قضايا المسلمين أو لتعليم أدب من آداب الإسلام ، وهكذا .
وكل هذه الأمور يستتبع بالضرورة تحقيقها أن يرتفع المعلمون بمستواهم العلمي والشرعي في كثير من الأمور حتى يكونوا أكفاء لهذه المهمة النبيلة التي شرفهم الله بحملها .

----------------------
([1]) الرهبانية عند النصارى نوع من العبادة التي ابتدعوها ، فقوله : ( ليس بمترهب ) يعني ليس بمتعبد ، وهي تقارب أو تناظر التعريفين الأول والثاني ، والنصارى لا ينظرون إلى الرهبانية على أنها بدعة كما ينظر إليها المسلمون ، بل يعتبرونها دينًا صحيحًا ، وعلى ذلك فقوله : ( ليس بمترهب ) ، ليس نفيًا للابتداع ، وإنما هو نفي للتعبد والتدين .
([2]) ما ذكرنا هنا عن دائرة المعارف البريطانية ، والقاموس الإنجليزي ، استفيد من كتاب ( نشأة العلمانية ) للدكتور محمد زين الهادي .
([3]) العلمانية في جميع صورها وأشكالها هي في الحقيقة ملحدة ، سواء منها ما ينكر وجود الله ، وما لا ينكر ؛ لأن أصل الإلحاد في لغة العرب معناه : العدول عن القصد ، والميل إلى الجور والانحراف .
    وإنما قلنا علمانية ملحدة ، وغير ملحدة ، جريًا على ما اشتهر عند الناس اليوم : أن الإلحاد يطلق على إنكار وجود الله فقط .
([4]) كثير من الناس لا يظهر لهم محاربة العلمانية ( غير الملحدة ) للدين ؛ لأن الدين انحصر عندهم في نطاق بعض العبادات ، فإذا لم تمنع العلمانية مثلاً الصلاة في المساجد ، أو لم تمنع الحج إلى بيت الله الحرام ، ظنوا أن العلمانية لا تحارب الدين ، أما من فهم الدين بالفهم الصحيح ، فإنه يعلم علم اليقين محاربة العلمانية للدين ، فهل هناك محاربة أشد وأوضح من إقصاء شريعة الله عن الحكم في شتى المجالات ، لو كانوا يفقهون .
([5]) انظر الناقض الرابع من نواقض الإسلام للشيخ محمد بن عبدالوهاب ، وكتاب العقيدة الصحيحة للشيخ عبدالعزيز بن باز ، ص28 .
    وإنما قلنا علمانية ملحدة ، وغير ملحدة ، جريًا على ما اشتهر عند الناس اليوم : أن الإلحاد يطلق على إنكار وجود الله فقط .
([6]) المرجع السابق ، ص30 .
([7]) ونحن أكدنا وما زلنا نؤكد أنه لا يحق لأحد أن يظن مجرد الظن أننا نقلل من أي شيء - وإن كان صغيرًا - تناوله حكم الإسلام ، حتى ولو كان ما يتعلق بأدب قضاء الحاجة ، وما ندعو إليه فقط هو إعطاء كل جانب ما يستحقه في ميزان الإسلام ، وهذا الذي أكدناه وذكرناه إنما هو طريقة العلماء  المنبثقة عن الفهم الصحيح للنصوص الشرعية .
مــحــمــد شــاكــر الــشــريــف
مكة المكرمة  

           

كيف تعرف العلماني ؟
العلماني :تجده يؤمن بوجود إله لكنه يعتقد بعدم وجود علاقة بين الدين وبين حياة الإنسان ( فكر بوذي ) كما يعتقد بأن الحياة تقوم على أساس العلم التجريبي المطلق وهذا ( فكر ماركسي ).والعلماني :تجده يعتبر القيم الروحية التي تنادي بها الأديان والقيم الأخلاقية بأنواعها هي قيم سلبية يجب أن يتم تطويرها أو إلغائها وهذا ( فكر ماركسي ).والعلماني :تجده يطالب بالإباحية كالسفور ، والاختلاط بين الجنسين في الأماكن العامة والخاصة ( أي الخلوة ) ويحبذ عدم الترابط الأسري ( دعوة ماسونية ).والعلماني :تجده يطالب بعدم تدخل الدين في الأمور السياسية وأنه يجب تطبيق الشرائع والأنظمة الوضعية كالقانون الفرنسي في الحكم . وأن الدين للعبادة فقط دون تدخل في شئون الخلق وتنظيمها – كما أراد الله سبحانه وتعالى –.والعلماني :تجده يردد دائماً بأن الإنسان هو الذي ينبغي أن يستشار في الأمور الدنيوية كلها وليس رجال الدين - وكأن رجال الدين هم الذين اخترعوا التعاليم السماوية – ويطالب بأن يكون العقل البشري صاحب القرار وليس الدين . ( مع تحفظنا على رجال الدين لان ليس عندنا رجال دين ولكن عندنا علماء )والعلماني :تجده يصرح باطلاً بأن الإسلام لا يتلائم مع الحضارة وأنه يدعوا إلى التخلف لأنه لم يقدم للبشرية ما ينفع ويتناسى عن قصد الأمجاد الإسلامية من فتوحات ومخترعات في مجال الهندسة والجبر والكيمياء والفيزياء والطب وأن علم الجبر الذي غير المفاهيم العلمية وكان السبب الرئيسي لكثرة من مخترعات اليوم وربما المستقبل ينسب لمبتدعه العبقري جابر بن حيان وهو مسلم عربي .والعلماني :تجده يعتقد بأن الأخلاق نسبية وليس لها وجود في حياة البشر إنما هي انعكاس للأوضاع المادية والاقتصادية وهي من صنع العقل الجماعي وأنها أي الأخلاق تتغير على الدوام وحسب الظروف ( فكر ماركسي ) .والعلماني :تجده يعتقد بأن التشريع الإسلامي والفقه وكافة تعاليم الأديان السماوية الأخرى ما هي إلا امتداد لشرائع قديمة أمثال القانون الروماني وأنها تعاليم عفى عليها الزمن وأنها تناقض العلم . وأن تعاليم الدين وشعائره لا يستفيد منها المجتمع . ( وهذا فكر ماركسي ) .تنبيه :العلماني تجده يصرح بهذه المقولة ويجعلها شعاراً له دون أن يكون له دراية أو علم أو اطلاع على التعاليم الفقهية الإسلامية أو على الإنجازات الحضارية الإسلامية0والعلماني :تجده حين يتحدث عن المتدينين فإنه يمزج حديثه بالسخرية منهم ويطالب بأن يقتصر توظيف خريجي المعاهد والكليات الدينية على الوعظ أو المأذونية أو الإمامة أو الأذان وخلافه من أمور الدين فقط .والعلماني :يعتبر أن مجرد ذكر اسم الله في البحث العلمي يعتبر إفساداً للروح العلمية ومبرراً لطرح النتائج العلمية واعتبارها غير ذات قيمة حتى ولو كانت صحيحة علمياً .
والعلماني :تجده يعتبر أن قمة الواقعية هي التعامل بين البشر دون قيم أخلاقية أو دينية لأنها في اعتقاده غير ضرورية لبناء الإنسان بل أنها تساهم في تأخيره وأن القيم الإنسانية ما هي إلا مثالية لا حاجة للمجتمع بها .
والعلماني :تجده يعترض اعتراضا شديداً على تطبيق حدود الله في الخارجين على شرعه كالرجم للزاني أو قطع اليد للسارق أو القتل للقاتل وغيرها من أحكام الله ويعتبرها قسوة لا مبرر لها .والعلماني :تجده يطالب ويحبذ مساواة المرأة بالرجل ويدعو إلى تحررها وسفورها واختلاطها بالرجال دون تحديد العمل الذي يلائمها ويحفظ كرمتها كأنثى .
والعلماني : تجده يحبذ أن لا يكون التعليم الديني في المدارس الحكومية إلزامياً بل إختيارياً .
والعلماني :يتمنى تغيير القوانين الإسلامية بقوانين علمانية كالقانون المدني السويسري والقانون الجنائي المعمول به في إيطاليا والقانون التجاري الألماني والقانون الجنائي الفرنسي وهذا القانون يعمل به في بعض الدول العربية . ويعتبر أن تلك القوانين هي الأفيد في حياة الفرد والمجتمع من التنظيم الإسلامي .
المصدر كتاب : كيف تعرفهم ؟ لخليفه بن إسماعيل الإسماعيل 









احْذَرُوا هؤلاءِ الدُّعاةَ

الحمد لله {الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة : 33] ، والصلاة والسلام على من بعثه الله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً ، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ، وبعد :

( احْذَرُوا هؤلاءِ الدُّعاةَ ) ، نعم والله احذروهم أشدَّ الحذر . هم دعاة !!

ولكن .. ما هيَ صفاتهم ؟ وما الذي يدعونَ إليه ؟ وكيفَ يعرضون ما عِندَهُم ؟

الجوابُ على هذهِ الأسئلة يظهَر في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( دُعاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ ، مَنْ أَطَاعَهُمْ قَذَفُوهُ فِيها )) قالوا : صِفهم لنا يا رسولَ الله ، قال : (( قومٌ مِنْ جِلْدَتِنَا ، ويَتَكَلَّمونَ بِألسِنَتِنَا )) .

فاحذروا هؤلاء الدُّعاة ، دعاةَ الفتنة ، الذينَ يَدعُونَ الناسَ إلى النارِ 
{ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } [البقرة : 221] ، هم يَدعونَ الناسَ إلى الشر ، لا على أنَّهُ شر ، بل يُسَمُّونَهُ بغيرِ اسمه ، كي يَزينَ في أعينِ الناس ، كما قال الشاعر :

في زخرفِ القولِ تزيينٌ لباطلهِ *** والحَقُ قَدْ يعتريهِ سُوءُ تَعبيرِ

فهم يُزيِّنونَ القبيحَ بأساليبهم وزخرفَتهِم ، ويَعرضُونَه للنَّاس عرضاً مغرياً ، بشتَّى الوسائِل ، يعرضونه في محاضراتهم ، وفي نَدواتِهم وحِواراتِهم التي تأتي عَبرَ ( القنواتِ الفضائيةِ ) وفي غيرِها ، يعرضونه في كُتُبهِم ، ويعرضونَه في صَحَافتِهم ومجلاَّتهم ، يعرِضونَه في مجالسِهم ، يعرضونه بتضليلٍ في الإعلانات ، على أغلِفةِ المجلاَّت ، يُغْرُونَ الناسَ بِه .

فلنَحْذرَ منْ هؤلاءِ ؛ لأنَّ الله تعالى حذرنا مِنهُم ، فهم أعداؤنا ، شياطينُ الإنسِ والجنِّ ، كما قال عز وجل : 
{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْ! هِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ * أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً } [الإنعام : 114،112] .

وقَدْ ذكرَ الله تعالى في سورة التوبة بعض صفاتهم فقال : 
{ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ .. } إلى آخر الآية [التوبة : 67] . { الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ }فيه دليلٌ على أنَّه يكون في الرجالِ ، ويكونُ في النساءِ } بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ { يُشبه بَعضُهم بعضاً في القُبْحِ والخُبثِ والشَّرِ ، يتشابهونَ في ذلكَ رِجالاً ونساءً ، لا يختلفُ بعضُهم عنْ بعضٍ ، سِيرَتُهُم واحِدةٌ ، وسَرِيرَتهم واحدةٌ ، فهم مُتشابِهونَ { يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ } وهو : كلُّ معصيةٍ للهِ ومخالفةٍ لشرعِ الله عز وجل ، فهم يأمرونَ بكلِ منكرٍ من قولٍ أو فعلٍ أو عملٍ ، يأمرونَ بالشركِ بالله عزَّ وجلَّ ، ويسمونَهُ بغيرِ اسمه ، يسمونه من بابِ محبةِ الصالحينَ ، فهم يَدعونَ إلى الشركِ ويُزينونه للناس .

كذلك يدعونَ إلى نَبذِ الكتابِ والسنة ، وإلى تحكيمِ القوانينِ والأنظمةِ الطاغوتية ، 
{ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ! يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً } [النساء : 61,60] .

يدعونَ إلى العُريِ وكشفِ العوراتِ ، وظهورِ الفواحشِ . يدعونَ إلى التبرجِ ، واختلاطِ النساءِ بالرجالِ ، ومشاركةُ المرأة للرجلِ في المحافلِ ، وفي النوادي ، والمؤتمراتِ ، وغير ذلك ؛ حتى تَشيعَ الفاحشةُ في الذينَ آمنوا ، فهُم يَدعونَ إلى النارِ ، والله يدعو إلى الجنَّةِ .
{ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ } ينهونَ عن التوحيدِ ، وينتَقِصونَه ، ويقولونَ : إن التوحيدَ يكفي عنهُ أنَّ الإنسانَ يكونُ مُسلِماً ظاهراً أو يدَّعي الإسلام ، فهم يُزهِّدونَ في التوحيدِ ؛ لأنهم يَنهونَ عن المعروفِ ، وأعظمُ المعروفِ هو : التوحيد ، فلا يطيقونَهُ ، ولايُطيقونَ تعليمَه ، ولا يطيقونَ جَعلهُ في مُقررات الدراسةِ والعياذُ باللهِ { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } [الزمر : 45] .

كذلكَ ينهونَ عن السِّترِ ، وينهونَ عن الحجابِ ، وينهونَ عن احتشامِ المرأة ، وينهونَ عن بقائِها في بيتِها ، لإصلاحِ بيتِها وأولادِها ، ويأمرونَ بخروجِها وسَفَرِها ، ويعتبرونَ أنَّ هذا هو الرُقيُّ ، وهذهِ هي الحضارة ، و واللهِ ما هي إلا حقارة ! وهؤلاء الدعاة ، ينهونَ كذلك عن حضورِ الصلاةِ في المساجدِ ، ويُريدونَ أنْ يَبقى الناسُ في الأسواقِ والدكاكينِ ، وينهونَ عن إقامةِ الصلاةِ وعن إغلاقِ المحلاّتِ لأداءِ الصلاة .

هذهِ من أقبحِ صفاتهم ، فهم – والعياذ بالله – ضِدٌ لكُلِّ خيرٍ ، وهمْ – والعياذ بالله – دُعاةٌ إلى كلِ شرٍّ .

وأهمُّ وسيلةٍ عرضوا من خلالها دعواتهم : وسائلُ الإعلامِ بإختلافِ أنواعِها ، من فضائياتٍ وإذاعاتٍ ، وصحفٍ ومجلاتٍ وكُتُبٍ خليعةٍ ، تنتشرُ بينَ الناسِ فيطَّلِعونَ عليها ، ويسمَعونها ، ويَنظرونَ إليها ، فتؤثرُ في قلوبِهم ، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : (( تُعرضُ الفتنُ على القلوبِ كالحصيرِ عوداً عودا ، فأي قلبٍ أُشرِبها – يعني أحَبها – نُكِتَتْ فيهِ نُكْتَةٌ سَوداءُ ، وأيُّ قلبٍ أنكرَها نُكِتَتْ فيهِ نُكتَةٌ بيضاءُ )) .

فهذهِ الوسائلُ التي جدَّت في هذا الزمانِ ، وقرَّبتِ البعيدَ ، وعرضتْ كلَّ شرٍّ ممكنٍ في العالمِ يُعرضُ أمامَ الناسِ في المشارقِ والمغاربِ ، وهذا من أعظمِ الفتن ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ .

وقد أخبرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَه في آخِرِ الزمانِ يكذِبُ الرَجُلُ الكذبَة فتبلغُ مشارقَ الأرضِ ومغاربها ، وما ذاكَ – والله أعلم – إلا بواسطةِ وسائلِ الإعلامِ الحديثَة .

فالفِتن عظيمةٌ ، ولا يَشعرُ بها إلا مَنْ في قلبِهِ إيمانٌ ، والكلُّ على خطرٍ ، حتى المؤمن ، فكيفَ بضعيفِ الإيمان ؟ وكيفَ بالجاهل ؟ كيف بالمرأةِ ؟ كيفَ بالأطفالِ ؟

واعلم – أخي الحبيب ويا أختي الحبيبة - أنهُ لا يُنجي مِن الفتنِ إلا التمسكَ بكتابِ اللهِ عز وجل . قال صلى الله عليه وسلم : (( إنَّها ستَكونُ فِتنٌ )) قالوا : وما المَخْرَجُ منها يا رسولَ الله ؟ قال : (( كتابُ اللهِ ، فيه نبأُ ما قبلَكم ، وخَبرُ ما بعدكُم ، وفَصْلُ ما بَينَكُم ، هو الجِدُّ ليسَ بالهَذْلِ ، مَنْ تَركَهُ مِنْ جبارٍ قَصَمَهُ الله ، ومَن ابتغى الهدى من غيرهِ أضَلَّهُ الله ، هوَ حَبْلُ اللهِ المَتينُ ، والذِّكرُ الحَكيمُ ، والصِراطُ المُستَقيمُ )) .

وكذلكَ التمسُّك بما كانَ عليه سلفُ هذه الأمةِ ، كما قال الإمام مالك رحمَه الله : ( لا يُصلحُ آخرُ هذه الأمةِ إلا ما أصْلَحَ أوَّلها ) . وكذلك مما ينجي من الفتن : كثرةُ الدعاءِ والالتجاءِ إلى الله سبحانه وتعالى : }
 رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا { [آل عمران : 8] ، } رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا { [ الممتحنة : 5] .

اللهمَّ إنا نعوذُ بِك من عذابِ جهنَّم ومِنْ عذابِ القبرِ ، ومِن فِتنةِ المحيَا والمماتِ ومن فتنةِ المسيحِ الدجال ، اللهمَّ قِنَا شرَّ الفتنِ ومضلاَّتِ الفتَنِ ما ظَهَرَ منها وما بَطَنَ . والله تعالى أعلى وأعلم وأحكم وصلى الله على نبينا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبه أجمعينَ .
أبو عمار
لا تبخلوا بدعواتكم وملاحظاتكم
opo_950@hotmail.com


&& أثر العلمانية على العالم الأوربي والأمريكي &&
وبسب التخلي عن القيود الأخلاقية ، والأدبية ، والإنحلال من القيم المتبقية من عقائد أهل الكتاب ، وإطلاق زمام النفس الغاوية على الغارب ، من مزاولة الزنا والربا والإختلاط بين الرجال والنساء ، ومحاربة كل خلق حسن ، كان لهذا الأمر من المثالب التي لا تخفى على عاقل ، حيث وأن الفساد إنتشر بشكل مخيف لا يطيقه الحمقى ، فضلاً عن أصحاب العقول السوية ، وقد تأذى من هذا الحال نساء أوربا ، وأمريكا ومثقفيهماتقول الكاتبة الإنجليزية " أنى رود " عن ذلك : " إذا اشتغلت بناتنا في البيوت خوادم أو كالخوادم خير وأخف بلاء من اشتغالهن في المعامل حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد .

أياليت بلادنا كبلاد المسلمين حيث فيها الحشمة والعفاف والطهارة رداء الخادمة والرقيق اللذين يتنعمان بأرغد عيش ويعاملان معاملة أولاد رب البيت ولا يمس عرضهما بسوء . نعم إنه عار على بلاد الإنكليز أن تجعل بناتها مثل للرذائل بكثرة مخالطتهن للرجال ، فما بالنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل ما يوافق فطرتها الطبيعية كما قضت بذلك الديانة السماوية وترك أعمال الرجال للرجال سلامة لشرفها
وتقول الكاتبة اللادى كوك أيضا : " إن الاختلاط يألفه الرجال ، ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها ، وعلى قدر الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا ، ولا يخفى ما فى هذا من البلاء العظيم عن المرأة ، فيه أيها الآباء لا يغرونكم بعض دريهمات تكسبها بناتكم باشتغالهن فى المعامل ونحوها ومصيرهن إلى ما ذكرنا فعلموهن الابتعاد عن الرجال ، إذا دلنا الإحصاء على أن البلاء الناتج عن الزنا يعظم ويتفاقم حيث يكثر الاختلاط بين الرجال والنساء . ألم تروا أن أكثر أولاد الزنا أمهاتهن من المشتغلات فى المعامل ومن الخادمات فى البيوت ومن أكثر السيدات المعرضات للأنظار .. ولولا الأطباء الذين يعطون الأدوية للإسقاط لرأينا أضعاف مما نرى الآن ، ولقد أدت بنا الحال إلى حد من الدناءة لم يكن تصوره فى الإمكان حتى أصبح رجال مقاطعات فى بلادنا لا يقبلون البنت ما لم تكن مجربة ، أعنى عندها أولاد من الزنا ، فينتفع بشغلهم وهذا غاية الهبوط فى المدينة ، فكم قاست هذه المرأة من مرارة الحياةوأما الجرائم الأخلاقية من فواحش الزنا والسرقة والقتل فأمر يفوق الخيال تأمل &&& " بلغت عدد سرقات المتاجر الكبيرة في إنجلترا خلال عام 1960 نحو 32194 سرقة هذا عدا الحالات التي لم تبلغ لإدارة البوليس والغريب أن 60% من هذه السرقات ارتكبتها نساء جاوزن سن البلوغ و30% ارتكبها ذكورا أقل من السابعة عشرة وتقول الإحصائيات أن كل السارقات من النساء لم يكن في حاجة للمال "(88). نعم إنها ليست الحاجة للمال ولكنها الرغبة في الانتقام وتفريغ السخط .&&& وإما الانتقام من نفسها بالانتحار كما فعلت الممثلة الشهيرة "مارلين مونرو" التي كتبت قبيل انتحارها نصيحة لبنات جنسها تقول فيها :
" إحذري المجد …إحذري من كل من يخدعك بالأضواء …إنى أتعس امرأة على هذه الأرض… لم أستطع أن أكون أما … إني امرأة أفضل البيت … الحياة العائلية الشريفة على كل شيء … إن سعادة المرأة الحقيقية في الحياة العائلية الشريفة الطاهرة بل إن هذه الحياة العائلية لهي رمز سعادة المرأة بل الإنسانية " وتقول في النهاية " لقد ظلمني كل الناس … وأن العمل في السينما يجعل من المرأة سلعة رخيصة تافهة مهما نالت من المجد والشهرة الزائفة " . 
&&& نشرت صحيفة الأخبار المصرية ( في عددها الصادر في 20/10/1972م ، ص 4) :
أنه قد أقيمت في هذا الأسبوع الحفلة السنوية لسيدة العام وحضرها عدد كبير من السيدات على اختلاف مهنهن .. وكان موضوع الحديث والخطب التي ألقيت في حضور الأميرة ( آن ) البريطانية هو حرية المرأة وماذا تطلب المرأة .. وحصلت على تأييد الاجتماع الشامل فتاة عمرها 17 عاماً رفضت رفضاً باتاً حركة التحرير النسائية وقالت أنها تريد أن تظل لها أنوثتها ولا تريد أن ترتدي البنطلون بمعنى تحدي الرجل . وأنها تريد أن تكون امرأة وتريد زوجها أن يكون رجلاً . وصفق لها الجميع وعلى رأسهن الأميرة ( آن ) ( كتاب المرأة العربية المعاصرة إلى أين ؟! ص 50 ) .
&&& يقول تقرير كتبه أحد الأطباء الاجتماعيين في فينا :" وقد لوحظ أن النساء أكثر محاولةــ أي في الإنتحار ــ من الرجال وفي عام 1959 حاولت 150 فتاة الانتحار وهذا يعني أن كل تسعة أيام توجد ست محاولات انتحار أربع منها من جانب الفتيات واثنتان من جانب الفتيان (89). وتأمل منذ ذلك الوقت إلى يومنا 0 &&& من ذلك ما نشرته الصحف الأمريكية في 1977م من أن فتاة أمريكية في إحدى الولايات الوسطى بالقرب من مدينة غير مشهورة وجدت مقتولة وقد طرحت جثتها في الغابة وحمل البوليس الجثة إلى المستشفى ونشر إعلانا يتضمن سن الفتاة و صفاتها الجسدية لكي يحضر قريبها لتسليم الجثة . فماذا كانت النتيجة ؟ … تقول الصحف : أن المستشفى تلقى 1200مكالمة من أناس كل منهم يشك في أنها قريبة ويستوضح بعض صفات لفتة أخرى بينها حضر إلى المستشفى شخصيا قرابة 500 شخص لمعاينة الجثة(90).

وهذا يعنى أن هؤلاء فقدوا فتيات يحملن نفس تلك الصفات وفي السن نفسه فكيف بمن يحملن صفات أخرى وفي مراحل من العمر أخرى ؟ وإذا كان هذا على مستوى المدينة أو الولاية فكيف بالولايات كلها؟
&&& ومن هذا صرح الدكتور جون كيشلر أحد علماء النفس الأمريكيين في شيكاغو ( أن 90% من الأمريكيات مصابات بالبرود الجنسي وأن 40% من الرجال مصابون بالعقم ، وقال الدكتور أن الإعلانات التي تعتمد على صور الفتيات العارية هي السبب في هبوط المستوى الجنسي للشعب الأمريكي . ومن شاء المزيد فليرجع الى تقرير لجنة الكونجرس الأمريكية لتحقيق جرائم الأحداث في أمريكا تحت عنوان ( أخلاق المجتمع الأمريكي المنهارة ) . ( المجتمع العاري بالوثائق والأرقام ، ص 11) .&&& نسبة الحبالى من تلميذات المدارس الثانوية الأمريكية قد بلغت في إحدى المدن 48% وليسمعوا ( دعاة الاختلاط الذين يريدون أن يزحفوا مجتمعاتنا الى الرذيلة والشذوذ ) الى ما نقلته جريدة الأحد اللبنانية في العدد ( 650 ) عن الفضائح الجنسية في الجامعات والكليات الأمريكية ، ماذا قالت الجريدة بالحرف الواحد ؟&&& ومما ذكرته الجريدة كذلك : ( دلت الإحصائيات فتيات بصورة غير شرعية لا تزيد أعمارهن عن العشرين وأن كثيرات منهن من طالبات الجامعات والكليات ) ونقلت الجريدة عن المربية الاجتماعية ( مرغريت سميث ) حديثاً قالت فيه ( إن الطالبة لا تفكر إلا بعواطفها والوسائل التي تتجاوب مع هذه العاطفة أن أكثر من ستين بالمائة من الطالبات سقطن في الامتحانات وتعود أسباب الفشل الى أنهن يفكرن في الجنس أكثر من دروسهن وحتى مستقبلهن وأن) ( أنظر الى كتاب الى كل أب غيور ، ص 29-31 لعبد الله علوان ) .&&& ومن هذا نشرت صحيفة الشرق الأوسط التي تصدر في لندن في عددها الصادر 15/7/1400هـ الموافق 29/5/1980م ..أن 75% من الأزواج يخونون زوجاتهم في أوروبا وأن نسبة أقل من المتزوجات يفعلن الشيء ذاته .. و80% الى 85% من الرجال البالغين قبل الزواج لهم خليلات .&&& ومن هذا " بلغ عدد الأحداث المحكومين في فرنسا سنة 1939م : 12165 وبلغ سنة 1968: 44016حسب جدول إحصائي"… " وقد صار هذا التزايد في عدد الأحداث المنحرفين منذرا بأوخم العواقب إذ بلغت أرقامه ضعفيها تقريبا في مدى ثماني سنوات . سنة 1960 – 26894". &&& فرنسا: الأطفال ضحايا الاعتداءات الشاذة...
كشف تحقيق نشرته مجلة " الأوبر فاتوار " الفرنسية النقاب عن تهاون القضاء الفرنسي في معالجة قضايا الاعتداءات الشاذة التي ارتكبها بالغون بحق أطفال صغار وذلك بالنظر إلى الأحكام المخففة التي تصدر في مثل هذه القضايا ، وجاء في إحصاءات عام 1992م أن 2000إلى 2500طفل ضحية سنوية ، ويعانون من حالات خطيرة ، وأعلنت وزارة الصحة الفرنسية أنه على مستوى المدارس فإن طفل على الأقل في كل فصل يكون ضحية للاعتداءات الشاذة ، أما ما يصل إلى المحاكم فلا يتجاوز 30% من هذه الحوادث . 
(الأسرة- العدد 9- 1414 هـ - 1994م) 
أما الأمراض العقلية بسبب ألإباحية في الكحول وتعاطي ألوان المسكرات خيالية جداَ تأملالأمراض العقلية والعصبية: جاء في تقرير لمنظمة الصحة العالمية أعدته لاجتماعها السنوي في جنيف لسنة 1978:
" يعاني حوالي 40 مليون شخص من أمراض عقلية أكيدة في العالم وهناك أكثر من 80 مليونا ممن يعانون تخلفا خطيرا من جراء الإفراط في تعاطي الأدوية والمخدرات والمشروبات بالإضافة إلى مائتي مليون شخص يعانون من اضطرابات عقلية أقل خطرا ولكنها تعرضهم للتخلف العقلي أيضا"(99).
أما الولايات المتحدة بصفة خاصة فتقول الإحصائيات:"إن المرض العقلي يشكل أخطر تهديد لصحة أبناء شعبها إذ يشير تقدير المعهد القومي للصحة العقلية الصادر في يوليو 1954 إن عدد المرضي الذين ترعاهم مستشفيات الأمراض العقلية يناظر مرضي المستشفيات الأخرى مجتمعة على اختلاف أنواعها ولا يتدرج بطبيعة الحال في هذا  الإحصاء عشرات الآلاف من الحالات المرضية التي لم تقصد المستشفيات وإنما تولى علاجها إذا قدر لها أن تحظى بالعلاج أطباء الأمراض العقلية







ولن ترضى عنك بنو عِلْمَان
سنة ربانية من سنن الله تعالى سنها منذ قام على هذه الأرض الحق والباطل، الشر والخير، أهل الإيمان  وأهل الكفر، معسكر الهدى ومعسكر الضلال، فلا يزال أهل الكفر والنفاق يناوئون أهل الإيمان ويكيدون لهم ويحاربونهم في دينهم ما بقي على الأرض مسلم وما دعا إلى الله داع، بيد أن هذه الحرب سجال والأيام بين المعسكرين دول فيُنال من أهل الحق حيناً وينالون من عدوهم حيناً آخر ولكن العاقبة للمتقين، والنصر لأهل الإيمان واليقين كما أخبر بذلك رب العالمين.
وصور هذا الكيد والمكر تتلون وتتغير حسب قوة أهل الحق وضعفهم، وقلتهم وكثرتهم، فتارة تكون الحرب عسكرية حربية وتارة تكون اقتصادية مادية وتارة تكون إعلامية وسياسية وغير ذلك من أساليب الحرب القذرة التي يشنها أعداء الله على أهل الإسلام وحَمَلَته، والتاريخ القديم والحديث يشهد لهذه الصور المتعددة كلها، غير أنَّ أعداء الله في هذا العصر تفتَّقت عقولهم المتشبعة ببغض هذا الدين وأهله عن حرب جديدة وأساليب ماكرة لمحاربة الدين حرباً تناسب العصر وتواكب العولمة الحديثة تلكم هي محاربة "المنهج".

إن أعداء الله لا يقلقهم مناهج عباد القبور ولا مناهج الرافضة ولا مناهج المعتزلة والعصرانية، إن الذي يقض مضاجعهم وينغص عيشهم هو المنهج الذي تربى عليه سلف هذه الأمة من الصحابة ومن جاء بعدهم، منهج الحنيفية السمحة الوسطية العدل، ملة إبراهيم حنيفاً كما جاء بها القرآن والسنة وكما فهمها سلف هذه الأمة. لقد مارس أعداء الله كل أساليب الحرب والإبادة لإطفاء هذا الدين وإخماد جذوته من حين بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوته حيث قال الله عنهم: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال:30) فمكرهم ماضي وكيدهم مستمر حتى يردوا المسلمين عن دينهم وعقيدتهم.

لقد أدرك أعداء الله أن محاربة المنهج ليست من السهولة بمكان ومن الخطأ الاستراتيجي – حسب ظنهم – القضاء على المنهج بشكل سريع أو الدخول المباشر في هذه المواجهة التي ربما أفسدت عليهم خططهم، ولكن هناك من أذنابهم وأعوانهم مَن يستطيع أن يمارس هذا الدور بشكل فعال وبنتائج باهرة فكان توظيفهم لطابور العلمنة والنفاق في بلاد المسلمين لأجل التشكيك في ثوابت الأمة ومقومات دينها ولمز أئمتها وعلمائها وبدأ ذلك بشكل واضح بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وارتفعت وتيرة هذه الحرب بعد دخول قوات الصليب عاصمة الخلافة العباسية بغداد المسلمة.

إن التاريخ يشهد أن بني علمان مهما أصاغ المسلمون لهم السمع وحققوا بعض مطالبهم بحجة الإصلاح وجمع الكلمة وغير ذلك من الشعارات الزائفة لن يقفوا عند حد ولن يرضوا بذلك حتى يتحقق "ما لقيصر لقيصر وما لله لله" وحتى يروا علمانيتهم الكافرة تضرب بأطنابها في بلاد المسلمين ومجتمعاتهم، وقصة صراع العلمانية مع الإسلام في مصر خير شاهد على ذلك، فكيف يرضى أهل الدعوة وحماة المنهج أن يتحقق للعلمانيين ذلك وقد أمرهم ربهم تعالى بأن يكون الدين كله لله؟؟.
إن الواجب على المسلمين عموماً وعلى أهل الدعوة وأصحاب الرأي خصوصاً الوقوف صفاً واحداً وبحزم تجاه هذه الهجمة الشرسة على دين الأمة وثوابتها وألاَّ يتنازل أهل المنهج ولو قيد شعرة عن دينهم وثوابتهم، إن حماية هذا "المنهج" مسئولية الجميع كل فيما يخصه ويحسنه أفراداً ومؤسسات، حكاماً ومحكومين، مع أهمية أن تكون هذه المقاومة لهذه الهجمة ضمن خطط مدروسة وبرامج عمل جادة طويلة المدى وألاَّ تكون برامجنا ومواقفنا ردود أفعال مؤقتة قصيرة النفس، محددة العمر ما تلبث أن تضعف ثم تتلاشى.

إن بني علمان مهما كادوا ومكروا فإن كيدهم ضعيف ومكرهم واهٍ إذا واجههم أهل الحق بالحجة والبرهان وقاموا بما أوجب الله عليهم من بيان الحق وكشف عوار المفسدين والمنافقين وتبيين المنهج الصحيح والدعوة إليه، ومع ذلك ربما يبتلون ويؤذون ويتهمون وهذا كله ليس بمستغرب فهي سنة أخرى من سنن الله تعالى في ابتلاء المؤمنين وتمحيصهم وهي من قدر الله الغالب وسننه الماضية.
محمد بن فهد الرشيد









كيف نحارب العلمانية
بسم الله والحمد لله ونصلي على رسول الله . أما بعد - ظهرت حركة التغريب مع قدوم المصري رفاعة الطهطاوي من باريس عام 1831 م وتأليفه كتاب ' تلخيص الإبريز في تلخيص باريز ' ، ثم تبعه في الشام عبد الرحمن الكواكبي وما وضعه في كتابه ' طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد 'مع العلم أن كثيراً من المفكرين لا يجعلون الأخير في صف الأول .

ثم توالت بعدهم كتابات المستغربين وما عرف بالعلمانيين ، وكان المستعمر الغربي قد أخذ دروساً من حملاته الصليبية السابقة ، وكيف أنها لم تولد إلا ناراً جهادية تستعر في قلوب المسلمين جعلت خيول الرحمن تدك بلاد أوروبا طولاً وعرضاً ؛ حتى ولدت فكرة القائد الأوروبي المشهور نابليون باستبدال الاحتلال العسكري بالاستعمار الفكري ، وكم كانت الفكرة في بدايتها مضحكة لكثير من قادة أوروبا ولكن سرعان ما تبين لهم كم كانت هذه الفكرة هي هدفهم المنشود من قرون لهذا أراد ذلك المستعمر أن يكون استعماره لبلاد المسلمين استعماراً عسكرياً يهيئ للاستعمار الأكبر وهو الاستعمار الفكري ؛ حتى إذا خرجت جيوشهم من بلادنا بقيت أفكارهم في عقولنا .

وعندما خرجت الوفود الطلابية إلى بلاد الغرب حيث كانت هناك تُقْتَل الفِطَر وتُغْسَل الأدمغة استقبلتها بلدان المستعمر استقبالاً حافلاً ، والغريب وليس بغريب على المستعمر أن أول تلك المجموعات التعليمية التي انطلقت لبلاد الغرب ذهبت في تخصصات تربوية وليست علمية مما يعني اعتناء المستعمر بهذا الباب الخطير ، وفي بداية الأمر ظهرت بعض الاحتجاجات هناك بسبب فتح أبواب المعرفة للمسلمين وهم الذين كسروا شوكة أهل هذه البلاد ؛ ولكن خبثاءهم عرفوا أن إحضار شباب المسلمين ونزعهم من بيئتهم الإسلامية ووضعهم في بيئة نصرانية علمانية ، ثم تغذية عقولهم بالشبهات ، وإشباع قلوبهم بالشهوات هو الطريق الصحيح لبقائهم في بلدان المسلمين ، وكان لابد من تعبئة تلك المجموعات بأن لها هدفاً سامياً يجب أن يبذلوا فيه جهدهم وحياتهم في بلاد المسلمين ، وفعلاً رجعت تلك الوفود بعد سنوات التّغَرب الاجتماعي ، والأهم من هذا التغرب الفكري .

وكان المستعمر حريصاً على استخدام سياسة التلميع لهؤلاء ، ولا مانع في بعض الأحيان أن يصورهم أنهم هم أهل الانتفاضة ضد الاستعمار ، وكم رأى الناس جيوش الاستعمار وفرائصها ترتعد كذباً من ذلك المستغرب الصنم ويظهرون للناس زوراً خوفهم من أهل هذا الفكر لأنه هو الذي سيطرد المستعمر بزعمهم ، وإذا خرج ربيب من ربائبهم في مظاهرة لا يتجاوز عددها العشرات بثوا بين الناس ضخامة تلك المظاهرة ، وجعلوا عددها يتجاوز الآلاف ، ثم يحكون للناس ما قام به ذلك العميل المستغرب من بطولات في تلك المظاهرة ، وكيف أنه تصدى لجيوش المستعمر بصدره العاري ، والعجيب أنه إذا قام أحد المصلحين بانتفاضة أو مظاهرة سلمية فإن الرصاص والقتل سيكون مصيره ، ثم سمحوا لهؤلاء العملاء العلمانيين بفتح الصحف والمجلات سراً ، ويغضون الطرف عنهم محاولين إيهام الناس بجنونهم في البحث عن صاحب الجريدة ، ويصدرون الأوامر باعتقاله أو قتله ، ويدعون اختفاءه ، والحقيقة أن بطلهم يأكل في بيته من النعم الوافرة التي أرسلها له سيده المستعمر ، وبالتالي يزداد تعلق قلوب الناس بهم ، ويزداد كل يوم شغف الأمة بهؤلاء المضحين زوراً حتى إذا علم العدو بتملك حب هؤلاء العلمانيين قلوب الناس جعلوا لهم انتفاضات كاذبة على المستعمر ، حتى يسير الشعب خلف هؤلاء العلمانيين ، وينادي بحياتهم ، وعندما تأتي ساعة الصفر يخرج المستعمر ، ويصعد البطل على المنصة لتتم مراسم التتويج ، ولتبدأ أسوأ حلقات المسلسل على شريعة الإسلام وأهلها .

ومازال هؤلاء العلمانيون بالناس حتى أكلوهم بمعسول الكلام ، وطلبوا منهم أن لا يتعجلوا الثمرة ، وأن البناء بعد التحرير يحتاج إلى وقت طويل ، وفي هذه الأثناء بدءوا مشروعهم الحضاري كما زعموا فنشروا أفكارهم بين الناس ؛ وأسرعوا الوتيرة في الفساد والإفساد وإبعاد الناس عن منبع الهداية ، ثم سيطروا على موجهات العقل البشري وعلى رأسها الإعلام والتعليم ، حتى غُرِّبَت أمتنا وبَعُدَت عن منبعها الصافي ، ومازالت حشودهم تتعاقب على كل باب فيه هدم للشريعة المحمدية .

وكم كان أسفنا عظيماً ونحن نرى هذه الفئة القليلة وهي تعبث بمقدرات وكرامات الأمة حتى جعلونا أذلة في مؤخرة الركب باسم التحضر والتمدن والحقيقة أنا لم نجد منذ أكثر من قرن ونصف أي كتاب أو بحث مستقل يناقش قضية طرق محاربة هذه الفئة ، وإنا لا ندعي أننا في هذه الأجزاء سوف نأتي بما لم يأتِ به من كان قبلنا ، وإنما عملنا يقوم على جمع بعض الأفكار المتناثرة التي ألقيت في بطون الكتب أو المحاضرات أو المقالات ، ثم ترتيبها على هيئة نقاط . كما أنا ألحقنا بها نقاطاً جديدة لم يذكرها أحد ، وللإحاطة فما ذكرناه إنما هو عبارة عن بحث مطول اختصرت منه هذه النقاط ، وقد أحببنا أن لا نطيل في العرض حتى لا يتوهم البعض صعوبة مجابهة العدو : 
1- استكشاف الكتاب المتميزين وأصحاب المواهب الجيدة : سواء من خلال الكتب أو الصحف أو المجلات أو مواقع الانترنت ، وهذه النقطة هي من أهم النقاط ، والسبب أنها أساس العمل الذي ستقوم عليه أكثر النقاط أثراً في عمل العدو ، وهذه العملية يجب أن لانُعَقِّدها فيحصل الصدود عن تحصيلها ، وكذلك ينبغي ألا نُهَوّنها حتى لانفرط في أساس عملنا في معركتنا الكبرى ، وينبغي أن نراعي الآتي في تعاملنا مع هذا العنصر : أ- إن أي تجاوز في معنى التميز والموهبة سوف يترتب عليه ضياع للهدف ، بل يخشى من عواقب وخيمة تنعكس سلباً على الهدف المنشود ؛ فمثلاً قد يُزَكّى أحدنا كاتباً معيناً بناء على رأي متسرع ، ثم بعد ذلك تطفو على السطح شطحات أو انحرافات عليه ، فماذا سيكون موقفنا من الناس ونحن من قمنا بتزكيته والثناء عليه ، فنكون بين مصيبتين كلتاهما أمَرّ من الأخرى ؛ فإما السكوت ، وبالتالي تبقى صورة الرجل النظيف هي الظاهرة أمام الناس مما يجعل الناس ينهلون من شطحاته ويستزيدون منها، وإما أن نعري صورته ونعتذر عن مدحه سابقاً ؛ وهاهنا نفقد ثقة الناس في شهاداتنا في وقت نحن من أحوج الناس لها في ظل الهجمة الشرسة من بني علمان . وعلى العكس من ذلك قد تتولد لدينا مواهب كثيرة ؛ ولكن لكون الاختيار يقوم على أساس التشدد والتدقيق المفرط فإنا نقوم بقتلها من خلال تركها وإغفالها ، وستجد هذه المواهب عدونا يتلقفها ويثني عليها ، ثم ينقلب حال ذلك الكاتب من حصن يستأسد للدفاع عن قضايا أمته إلى عدو يتصيد ويتحسس أي مدخل للقضاء على هذا الدين كشريعة للحياة ، وأغلب كتاب بني علمان كانت كذا بداياتهم ، ولهذا فهم يجيدون فن الاحتواء للعامة من خلال الإثناء أو شحذ الهمم أو فتح الأبواب لهم باسم المشاركة في نهضة المجتمع ثقافياً . أ‌- متى ما تحصل لنا مؤلف عرف بكتاباته الجيدة وهو لا يعد من الصف الإسلامي فإنا لابد أن نثني على العمل مع الثناء غير المفرط على الكاتب ، وبهذا استطعنا أن نشجعه فيما يقوم به ، وكذلك مازال بيدنا خط الرجعة من جهة أي تراجع للكاتب عن أي موقف من المواقف التي كان يخدم بها ديننا . ب‌- يجب الحذر من توجهات الكتاب الذين عرفوا بتوجهاتهم المنحرفة ، فمثلاً أحد كبار الفكر الليبرالي في الكويت سب النبي صلى الله عليه وسلم ، وجرت له محاكمة مشهورة انتهت بسجنه ، ثم عفا عنه أمير الكويت [ كعادته في تكريم أمثال هؤلاء ] ، وهذا الليبرالي مازال يصرح بأن الإسلاميين يريدون أن يرجعوا بالأمة ألف عام إلى الخلف ، ويصرح بأن الفكر الإسلامي هو أساس التخلف ، وله ومواقف مشهورة من عقود ، وقبل أقل من شهر تأتي مجلة من دولة الكويت ، وتضع لقاء معه ومع نصراني من أجل بيان كيفية أن نوجه صغيرنا لو ظهر بعد ذلك أنه إرهابي [ تعني مجاهد ] ، فتكلم بكلام سوء ، وذكر أنه لابد أن يسلم الطفل للأمن في دولته ، وتمضي المجلة في تحليلها من غير أن تبين خطورة كلامه ، ووثق فيه بعض الناس لتوثيق المجلة له ؛ ولكن بعد أسبوع خرج ذلك المجرم يطالب في برنامج تلفزيوني بمنع تدريس سورة الفاتحة للصغار لأن فيها كلاماً على النصارى واليهود ، وبالتالي تدعو إلى التطرف والانحراف ، فماذا سيكون موقف المجلة ؟! هل تعريه أمام الناس ثم يكون السؤال : كيف تفضحينه وأنت تستأمنينه على صغارنا ؟! أو تسكت عن بيان الحق فيه وتلحق بصف الشياطين الخُرْس . ت‌- لابد أن يكون عندنا متخصصون في متابعة منابع الإعلام ، فهذا يتابع جريدة كذا والآخر يتابع مجلة كذا وذاك يتابع منتدى ما ، وهكذا حتى يتكون لدينا مكتشفون جيدون ؛ فإذا جاءت ساعة البدء بالاختيار كانت الصورة واضحة للمستكشفين ، وبالتالي الاختيار في الغالب يكون مصيباً . ث‌- المستكشف ينبغي أن لا يكون واحداً ، بل يجب أن يكون عدة أشخاص حتى تحصل الشورى الشرعية مما ينتج غالباً عن ذلك دقة وصحة الاختيار ، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بالشورى في غزواته ؛ فشاور في بدر وأحد والخندق وغيرها ، والذي جعلنا نحرص على تعدد المستكشفين هو تجاوز بعض السلبيات التي قد تحصل لو كان المستكشف منفرداً وله اهتمام بمجال معين؛ فإنك ستجد أنه ضعيف التصور للمجالات الأخرى ، وبالتالي سيكون اختياره منحازاً لفئة معينة دون الأخرى مع أنه قد تكون الفئات الأخرى أكثر نشاطاً وأحسن إبداعاً من الكتّاب الذين اختارهم . ج‌- يجب أن يكون لدى المستكشفين ملفات لكل كاتب تم اختياره أو سوف يتم اختياره ؛ حتى نستطيع أن نجعل تقويمه تقويماً دقيقاً ، وهذا يعطينا تصوراً صحيحاً قبل اختياره ومعرفة خطه ، بل وأهم من هذا معرفة طرقه في وصول أفكاره لعقول القراء والتي قد تعطينا كماً هائلاً في معرفة كيفية التأثير على الناس ، وهذه الملفات ستعطينا أيضاً تصوراً صحيحاً عن مدى بقاء الكاتب على خطه بعد ضمه لمشروعنا الحضاري لأن النفوس قد تتغير والتوجهات قد تتبدل . ح‌- يجب أن تكون لدينا أيضاُ مراجعة على المستكشفين أنفسهم ، فهذه المهمة من أخطر المهمات ، وأي ضعف أو خَوَر فيها سيتبعه انهيار كامل أو جزئي لما ترتب عليه من أعمال ، وهذه المتابعة ستجعل المستكشف إما أن يضاعف من طاقته أو يسلم الراية لغيره متى ما وجد أنه قد شغل بغيرها أو أصبح عاجزاً عن تقديم الجديد والمزيد ، وبهذا يبقى عملنا قائماً وصامداً . خ‌- لابد من تنوع تخصصات المستكشفين ونقصد بالتخصصات أي التخصصات التي تحتاج لها الأمة في معركتها ، فلا نكتفي بالتربية أو بالفكر أو بالأدب وغيرها وإنما نتناولها كلها ومعها غيرها ، وقد لا نستطيع في أول عملنا أن نحصل على هذا التنوع بين المستكشفين ولكن سيأتي اليوم الذي تحار عقولنا عند الاختيار من كثرة المعروض منهم بإذن الله تعالى خاصة وأن الأمة مليئة بالطاقات التي تحتاج إلى إعطاء الثقة والتفعيل بعد ذلك . د‌- مراعاة الأولويات : عند البدء في المشروع لابد من مراعاة الأولويات ، بحيث لا ننطلق لنقطة ما وهناك ما هو أهم منها ، فلا أستكشف الشعراء قبل المربين والمفكرين ، وهكذا كانت وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن حيث قال له : ' إنك تأتي قوماً من أهل كتاب فليكن أول ماتدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله ، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم ، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ' متفق عليه . ذ‌- وسطية منهج المستكشفين : إن أول مايئد العمل الإسلامي غالباً هو نزعة التحزُّب التي تظهر مع كل عمل إسلامي ، وتحزن أشد الحزن وأنت ترى وسطية بعض الصالحين مع من هو غير إسلامي وفي نفس الوقت يشتعل اشتعال النار في الهشيم على إخوته المصلحين ، وأخشى ما نخشاه أن يقضى على هذا العمل قبل أن يولد ، ولهذا لابد أن نحاول قد المستطاع أن تكون أعيننا الاستكشافية تتميز بالوسطية  والعدل في اختيار الأخوة الكتاب ، ولا نريد منهم أن يكونوا هم الميزان بل نريدهم أن يكونوا هم لسان الميزان الذي الذي نعرف به معايير الأشخاص . ر‌- حساب لا حسبة : زرت أحد الدعاة المعروفين ، فعرضت عليه مشروعاً علمياً فقال لي يا أبا فلان : إن هذا المكان الذي جلست عليه قد جلس قبلك عليه أكثر من أربعين رجلاً كلهم يزعم أن لديه مشروعاً ، وأن فيه من الحرقة والحماس ما يجعله يستطيع أن يقيم هذا العمل ، وكلهم لم يوف بعهده ووعده ، وأقصد من هذا أنا لانمنع عمل الاحتساب ولكن التجربة أظهرت لنا مئات المرات أن هذا العمل في الغالب لن يستطِع الاستمرار ، والسبب معروف ، وهي الكلمة التي يجابهك بها كل محتسب إذا حاولت مساءلته على تفريطه ؛ حيث يقول لك : ما على المحسنين من سبيل ، ولهذا نحتاج إلى ترتيب بعض المصاريف المالية التي تصرف على هيئة مكافآت وهي في الغالب ليست كبيرة ، ومن هنا نستطيع أن نحقق عملية المحاسبة والمراجعة مع الأخوة المستكشفين .
المصدر مفكرة الإسلام
--------------------------------------------------------------------------------[1] لفظ العلمانية ترجمة خاطئة لكلمة Secularism في الإنجليزية أو Secularite بالفرنسية وهي كلمة لا صلة لها بلفظ 'العلم' ومشتقاته على الإطلاق .

فالعلم في الإنجليزية والفرنسية معناه Science والمذهب العلمي نطلق عليه كلمة Scientism والنسبة إلى العلم هي Scientific أو Scientifique في الفرنسية .

والترجمة الصحيحة للكلمة هو : اللادينية أو الدنيوية لا بمعنى ما يقابل الأخروية فحسب , بل بمعنى أخص هو ما لا صلة له بالدين , أو ما كانت علاقته بالدين علاقة تضاد .

والتعبير الشائع في الكتب الإسلامية المعاصرة هو 'فصل الدين عن الدولة' وهو في الحقيقة لا يعطي المدلول الكامل للعلمانية الذي ينطبق على الأفراد وعلى السلوك الذي قد لا يكون له صلة بالدولة , ولو قيل إنها 'فصل الدين عن الحياة' لكان أصوب , ولذلك فإن المدلول الصحيح للعلمانية هو 'إقامة الحياة على غير الدين' سواء بالنسبة للأمة أو للفرد .  





لماذا نرفض العلمانية ؟
 
ظهر مصداق قول رســول الله -صلى الله عليه وسلم- : "بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء" رواه مسلم ، وأصـبـح واقع الأمة الإسلامية يقرر أن غربة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأسرة ياسر، وبلال وغيرهم، قد عادت للذين يقولون : ربنا الله ، لا قيصر ، والحاكـمـيـة لله ، لا للبشر،... وغـابـت رايــة الإســلام عــن أرض الإســلام وحكمتها نظم علمانية لا دينية، حتى أصبحت الدعوة إلى أن يكون الإسلام بكتابه الكريم ، وسـنـة رســولـه الأمـيـن - صلى الله عليه وسلم - أساس الحكم ، جريمة في أكثر دول العالم (الإسلامي) تحاكم علـيـهـا قوانين تلك البلاد بالإعدام بتهمة تغيير شكل النظام؟!.
ولقد كان مما ساعد على استقرار تلك الأوضاع غياب الكثير من حقائق الإسلام وبديهياته، ومن أظهرها أن وجوب الحكم بـمـا أنــزل الله عقـيــدة لا يكـون المسلم مسلماً إذا تخلى عنها، وأن التشريع بغير ما أنزل الله ، والرضى بشرع غير شــرع الله هـو شرك مخرج من الملة .
ولـما كان بيان الحق وإبلاغه للخلق أمانة في عنق كل من علم شيئاً من حقيقة هذا الدين ، فقد كتبت هذه المقالة :
بياناً لحقيقة العلمانية ، بكشف المخبوء من حقيقتها، وتعرية المستتر من أسرارها ، وإضاءة الـمـنـاطــق المعتمة في حركة العلمانيين ودعوة للنجاة في الدنيا والآخرة ، بقبول شرع الله، ونـبذ كل شريعة يقوم عليها علمانيون يقفون في طريق الإسلام والتوحيد الخالص ، وكأنهم أرباب زائفون . وليكون ذلك ميلاداً جديداً للفرد المسلم والأمة المسلمة ، الأمة التي تحمل رسالتها إلى كل البشرية بالنجاة من الشرك... تلك الرسالة التي عبر عنها في بساطة ربعي بن عامر رسول قائد المسلمين إلى رستم قائد الفرس ، هذا يسأله ما الذي جاء بكم ؟ فيجيب للتو واللحظة:... الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده.

أولاً : العلمانية... وحكم الجاهلية :حاول اعداء الإسلام القضاء على الإسلام عن طريق نشر الإلحاد... وفشلوا..وحاولوا صرف الناس عـن الإســلام عـن طـريـق الشـيـوعـيـة.. وفـشـلـوا .. وأحس الأعداء اليأس من هذا الدين..ولكنهم، بـعـد التـفـكـر والـتـدبـير، لجأوا إلى طريقة أخبث (لجأوا إلى إقامة أنظمة وأوضاع تتزيا بزي الإسلام ، وتتمسح في العقيدة ، ولا تنكر الدين جملة ، بل تعلن إيمانها به إيماناً نظرياً واحترامها له كعقيدة فـي الحنايا ، وشعائر تؤدى في المساجد،..أما ما وراء ذلك من شؤون الحياة فمرده - بزعمهم - إلـى إرادة الأمــة الـحــرة الطليقة التي لا تقبل
سلطاناً عليها من أحد‍‍!!!
ولما كانت حقيقة العلمانية قـد تخفــى عـلى كثير من المسلمين ، فإنه من واجبنا أن نفضح هذه العلمانية عبر نظرة نلقيها عليها لنتبين من خلالها ما هي العلمانية ؟ وكيف نشأت ؟ لمن حق التشريع المطلق في نظمها ؟ وما هي الشريعة التي تحمل الأمة على التحاكم إليها ؟
1- العلمانية.. التعريف والنشأة :لـفـظ العلمانية ترجمة خاطئة لكلمة secularism في الإنجليزية ، أو secularite بالفـرنـسـيـة، وهي كـلـمــة لا صـلـة لـهـا بلفظ العلم ومشتقاته على الإطلاق... والترجمة الصحيحة للكلمة هي اللادينية أو الدنيوية، لا بـمـعـنــى مــا يقابل الأخروية فحسب بل بمعنى أخص هو ما لا صلة له بالدين ، أو ما كانت صلته بالدين علاقة تضاد ..
وفي دائرة المعارف البريطانية مادة secularism : هي حـركــة اجـتـمـاعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحــدهـا(1). ولذلك فإن المدلول الصحيح لكلمة (العلمانية) هو: فصل الدين عن الدولة أو هو: إقامــة الحـيــاة على غير الدين ، سواء بالنسبة للأمة أو الفرد ، ثم تختلف الدول أو الأفراد في موقفها من الدين بمفهومه الضيق المحدود ، فبعضها تسمح به ،...وتسمى العلمانية المعتدلة، فهي - بزعـمـهــم - لا ديـنـيـة ولكنها غير معادية للدين ، وذلك في مقابل المجتمعات الأخرى المضادة للدين... وبدهيّ أنه لا فرق في الإسلام بين المسمين ، فكل ما ليس دينياً من المبادئ والتطبيقات فهو فـي حقـيقـته مـضـاد للدين ، فالإسلام واللادينية نقيضان لا يجتمعان ولا واسطة بينهما(2). وإذن فالعلمانية دولـة لا تقــوم عـلـى الـدين ، بل هي دولة لا دينية ، تعزل الدين عن التأثير في الدنيا ، وتحمل الأمة على قيادتها للـدنيـا فـي جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والقانونية وغيرها بعيداً عــن أوامــر الدين ونواهيه .
والعلمانية دولة لا تقبل الدين إلا إذا كان علاقة خاصة بين الإنسان وخالقه ، بحـيـث لا يكون لهذه العلاقة أي تأثير في أقواله وأفعاله وشؤون حياته.
"ولا شــك أن هذا المفهوم الغربي العلماني للدين على أنه علاقة خاصة بين العبد والرب ، محلها القلب ، ولا علاقة لها بواقع الحياة... جاء من مفهوم كنسي محرّف شعاره "أدَّ ما لقيصر لقيصر، وما لله لله" ، من واقع عانته النصرانية خلال قرونها الثلاثة الأولى ، حين كانت مـضـطـهـدة مـطـاردة مـن قـبــل الامبراطورية الرومانية الوثنية فلم تتمكن من تطبيق شريعتها ، واكتفت بالعقيدة والشعائر الـتـعـبـديـة اضطراراً واعتبرت ذلك هو الدين ، وإن كانت لم تتجه إلى استكمال الدين حين صار للبابـويــة سلطان قاهر على الأباطرة والملوك، فظل دينها محرفاً لا يمثل الدين السماوي المنزل ، فلما جاءت العلمانية في العصر الحديث وجدت الطريق ممهداً ، ولم تجد كبير عناء في فصل الدين عن الدولة"(3)، وتثبيت الدين على صورته الهزيلة التي آل إليها في الغرب .
وإذن فـالـعـلـمانية : رد فعل خاطئ لدين محرّف وأوضاع خاطئة كذلك ، ونبات خرج من تربة خبيثة ونـتـاج سـيـئ لـظـروف غير طبيعية ، فلا شك أنه لم يكن حتماً على مجتمع ابتلي بدين محرف أن يخرج عنه ليكون مجتمعاً لا دينياً ، بل الافتراض الصحيح هو أن يبحث عن الدين الصحيح.. فإذا وجدنا مجتمعاً آخر يختلف في ظروفه عن المجتمع الذي تحدثنا عنه ، ومع ذلك يصر على أن يـنـتـج الـلادينية ويتصور أنـهـا حتم وضرورة فماذا نحكم عليه؟(4) فقط نثبت السؤال ، ونترك - لا نقول لكل مسلم - بل لكل عاقل الإجابة عليه!
أمــا نـحـن فنكرر هنا أنه لا يوجد دين جاء من عند الله هو عقيدة فقط ، والدين الذي هو عقيدة فـقط "أو عقيدة وشعائر تعبدية، دون شريعة تحكم تصرفات الناس في هذه الأرض ، هو دين جاهلي مزيف لم ينزل من عند الله"(5).
2- العلمانية..وحق التشريع المطلق :فـي مـسـلـسـل نـبـذ الشريعة الإسلامية ، وفصل الدين عن الحياة في دار الإسلام ، كانت الحلقة الأخيرة هي النص فـي دسـاتـيـر الدول في العالم الإسلامي على تقرير حق التشريع المطلق للأمة من دون ،الله ، ونصت بعـض الدساتير على اعتبار رئيس الدولة جزءاً أصيلاً من السلطة التشريعية . واكتفى البعض الآخــر بالـنـص على الحقوق التي يمارسها رئيس الدولة في مجال التشريع وهي حق الاقتراح ، وحق الاعـتـراض أو الـتـصـديـق. فالأنظمة العلمانية تقر بالسيادة المطلقة للأمة، وتنص في دساتيرها على أن القانون هــو التعـبـير عن إرادتها المطلقة... فالأمة - بزعمهم - هي التي تقرر الشرائع التي تحكم بها، وحقـهـا في ذلك بلا حدود!!
ولا شــك في أن هذا في حقيقته هو الإقرار بحق التشريع المطلق للأمة لا ينازعها فيه منازع ولا يـشـاركهــا فـيه شريك.. فما تحله هو الحلال وإن اجتمعت على حرمته كافة الشرائع السماوية، وما تحـرمــه هو الحرام وإن اتفق على حله كل دين جاء من عند الله. ذلك أن الأمة في الأنظمة العلمانـيـة هي مـصـدر الـتشـريع ، وما يصدر عنها هو القانون. "والقانون ليس بنصيحة ولكنه أمر، وهو ليس أمراً من أي أحــد، ولـكـنـه أمــر صــادر ممن يدان له بالطاعة ، وموجه إلى من تجب عليه تلك الطاعة"(6).
وإذا كــان سـلـطـان الأمة يتجسد في السلطة التشريعية ، والتنفيذية ، والقضائية فإنه "لا يوجد قانون بالمعنى الصحيح إلا إذا صدر عن السلطة التشريعية في الحدود التي رسمها له الدستور ، وكلـتـا السلطتين التشريعية والقضائية بهذا الاعتبار مشتركتان في الخضوع لسيد الكل..ألا وهو الدسـتـور..الذي يجب أن يحني الجميع أمامه رؤوسهم صاغرين.."(7).
وتأمل معنى هذه الكلمـات ، وقل معي : رحم الله ابن تيمية... القائل : "إن الإنسان أمام طريقين لا ثالث لهما ، فإما أن يختار العبودية لله.. وإما أن يرفض هذه العبودية فيقع لا محالة في عبودية لغير الله".(8)
3- العلمانية.. والمصدر الرئيسي للتشريع :هناك شـبـهــة قد يشوش بها العلمانيون ، وهي أن بعض الدساتير العلمانية تنص على أن الشريعة الإســلامـيــة هي المصدر الرئيسي للتشريع.. مثل دستور مصر الذي جاء في مادته الثانية: أن الشريعة الإســلامـيـة هي المصدر الرئيسي للتشريع... ونحن نقول في الرد على هذه الشبهة : - إننا لا نحكم إلا بـمـا نـعـلــم ، ولا نجزم إلا بما نرى المحاكم الوضعية تمارسه صباح مساء،.. فهذه المحاكم لا تزال ملــزمة قانوناً بتطبيق القوانين الوضعية، ولا يزال القضاة في هذه المحاكم غير قادرين بأي حــال مــن الأحــوال عـلـى تطبيق الشريعة الإسلامية .
فـفـي قـضـيـة اغتيال السادات أسس الدفاع عمله على الدفع بعدم الدستورية لأن نصوص القوانين مخالـفــة لأحـكـام الـشـريعة الإسلامية التي تعتبر المصدر الرئيسي للتشريع وفقاً لأحكام المادة الثانية من الدستور الـصـادر عـام 1971 ، والمعدلة عام 1980.. فماذا قالت المحاكمة في ردها على ذلك ؟
جاء في رد المحاكمة : ".. رداً على هذا الدفع ، فإن المحكمة تشير بادئ ذي بدء إلى ما هو مستقر من أن قواعد التفسير للنصوص تأبى تأويل النص أو تحميله أكثر مما يحتمل إذا كــان واضـحــاً لغوياً فعبارة (المصدر الرئيسي للتشريع) لا تمنع لغوياً وجود مصادر أخرى للتشريع ، وهو نـفــس مـفـاد النص قبل تعديله"(9). أرأيتم..إن المحكمة تؤكد أن العبارة شركية ، وأنها تنص على وجود مصادر أخرى غير الشريعة الإسلامية .
ولماذا نذهب بعيداً ؟ لقد حــدث بالفـعل أن حكم قاضٍ بالجلد في جريمة سكر، متأولاً هذه المادة من الدستور... فماذا كانت النتيجة ؟
لقد أُبِطل حكمه ، وأقصي عن القضاء . وكان مما ذكره رئيس محكمة الاستئناف في أسباب بطلان هذا الحكم ما يلي :
1- إن من قـضــى بـذلك فـقـد حنث في يمينه القضائي الذي أقسم فيه على الحكم بالعدل واحترام القوانين،... والعـدل كـما يقــول رئـيـس محكـمـة الاستئناف : يعـنـي أن يقضي القاضي في الواقع المعروض بالعقوبة الملائمة في حدود القانون المطبق.. ثم يضيف قـائـلاً : فـقـضـاء المحـكـمة بقانون آخر غير القوانين المطبقة في ذلك حنث باليمين ، فما بالك بمن طبق أو يخترع قانوناً يعلم أنه غير معمول به!!2-...وجنائياً لا يجوز ، ولا يقبل من القاضي أن يجرم فعلاً لا ينص القانون على اعتباره جريمة، ولا يجوز له ولا يقبل منه أن يقضي بعقوبة لم ينص القانون عليها .3- إن مصدر هذا القانون لم يعرف شيئاً عن علم العقاب ، فقد (شدد) الـمـشـرّع الوضعي في العقـوبـة وجعلها ستة أشهر حماية للمجتمع، وهذا أحفظ من مجرد الجلد ثمـانـين جلدة. (10)
أرأيت - أخي الـمـسـلم - إن هذه العلمانية ترى أن التشريع الوضعي أحفظ لأمن المجتمع من الشريعة الإسلامية .. وأن القاضي الذي حكم بالجلد لم يعرف شيئاً عن علم العقاب.. وهكذا.. وكأن القوم يقـولون إن الله - تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً -لا يعرف شيئاً من علم العقاب عندما أكتفى بمجرد الجلد على السكر... سبحانك هذا بهتان عظيم .
ومن الذي يجرؤ على ادعـــاء أنه يشرع للناس ، ويحكم فيهم خيراً مما يشرع لهم ويحكم فيهم ربهم سبحانه؟ وأية حجة يملك أن يسوقها بين يدي هذا الادعاء العريض ؟.. أيستطيع أن يقول إنه أعلم بالناس من خالق الناس؟ أيستطيع أن يقول : إنه أرحم بالناس من رب الناس ؟ أيستطيع أن يقول : إنه أعرف بالناس ومصالح الناس من إله الناس ؟... أيستطيع أن يقول : إن الله سبحانه وهو يشرع شريعته الأخيرة، ويرســل رسـوله الأخير، ويجعل رسوله خاتم النبيين ، ويجعل رسالته خاتمة الرسالات ويجعل شريعـتـه شـريـعـة الأبد ، كأنه سبحانه يجهل أن أحوالاً سـتطرأ، وأن حاجات ستجد وأن ملابسات ستقع، فـلـم يحـسـب حسابها في شريعته لأنها كانت خافية عليه ، حتى انكشفت للناس في آخر الزمان!!! ما الذي يستطيع أن يقوله... وبخاصة إذا كان يدعي الإسلام؟
إنه مفرق الطريق ، الذي لا معدي عنه من الاختيار..
إما إسلام ، وإما جاهلية... إما حكم الله ، وإما حكم الجاهلية..
وهذه العلمانية التي وصفنا حالها ، ورأينا واقعها ليست يقيناً حكم الله القائم على الكتاب والسنة... فماذا تكون إلا حكم الجاهلية؟ قال تعالى:
((أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ومَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ))
فجعل الله الحـكـم حـكـمـيـن لا ثـالـث لهما : حكم الله... وهو الحكم القائم على الكتاب والسنة،.. وحكم الجاهلية.. وهو ما خالف ذلك (11)
إذن فالعلمانية هي...حكم الجاهلية .

المصادر :1- وهل الدنيا والآخرة طريقان منفصلان؟ وهل هذه لإله وتلك لإله؟ وهل الإله الذي يحكم الدنيا غير الإله الذي يحاسب الناس يوم القيامة ؟
2- العلمانية - سفر بن عبد الرحمن الحوالي ص 21-24.
3- حول تطبيق الشريعة محمد قطب ص 112
4- العلمانية - سفر بن عبد الرحمن الحوالي ص 648-649
5- حول تطبيق الشريعة محمد قطب ص 107
6/7- راجع كتاب مدخل دستوري للدكتور سيد صبري
8- العبودية - ابن تيمية ص 6
9- صحيفة الأهرام - عدد الخميس 29 جمادي الأول 1402
10- مأخوذ من كتاب - أحكام إسلامية إدانة للقوانين الوضعية - محمود غراب
11- في ظلال القرآن - سيد قطب 2/905

محمد محمد بدري






أقـنـعـة الـعـلـمـانـيـة
قراءة في الطروحات العلمانية الجديدة
يلاحظ المتتبع للطروحات العلمانية الـفـكـريـــة فـي الـبلدان العربية خلال الفترة القريبة، توجهين أساسيين يحكمان هذه الأفكار، أولهما حديث نسبياً من حيث التعبير العلني عنه مؤخراً، وهو يبشر صراحة بالفكر العلماني »الكلاسيكي« في صورته الشرسة من ضرورة الفصل بين الدين (وهو هنا الإسلام) والدولة، أو بين الدين والسـيـاسة، أو بين الدين والحكم، أو بين الدين والاقتصاد والتعليم وسائر شؤون المجتمع، أما الاتجـاه الـثـانـي فهو يواصل ما عهد عن أصحاب هذا الفكر في العقود الماضية من طرح العلمانية وراء أقنعة ومسميات شتى لا تـلـجـــــأ إلى المصادمة المباشرة أو الوضوح الصريح أو الإفصاح عن النوايا والأهـــــداف النهائية، وظهور الاتجاه الأول الذي يمكن أن نسميه بالأتاتوركي نسبة إلى رائد العلمانية في العالم الإســلامــي في شكلها السياسي الشامل يرتبط بتصاعد الحرب من جانب القوى المحلية والأجنبية ضد الحركات الإسلامية، حيث فقدت هذه القوى توازنها أو صبرها في الفترات الأخيرة، وقررت أن تكون الحرب علنية ليس فقط ضد التيارات الإسلامية ولكن ضد الإسلام ذاته، من خلال وجوده الدستوري والقانوني في أنظمة الدول العربية، وأيضاً من خلال وجوده الـمؤسسي في هيئات تعليمية أو ثقافية أو اجتماعية، ولذا جاءت الدعوة إلى العلمانية الأتاتوركـيــة صـريحــة إلى حد أننا سمعنا مثلاً موظفاً رسمياً في وزارة الثقافة بإحدى الدول العربية يتحدث باسم وزارته وهو ما يعني الحديث باسم الحكومة داعياً إلى فصل الدين عن الدولة في دستور البلاد، وتتردد آراء مشابهة من جانب كتاب من المشرق والمغرب العربي في صحف ومجلات تـصـدر هـنــا وهـنــاك، وتديـرهــا وتدعمها الأنظمة والحكومات، وتتراوح أهداف هذا التوجه الجديد المعلن ما بين بـالـونــات اخـتـبار (وفق المصطلح الصحفي الدارج) لآراء الصفوة والجماهير نحو الدعوة العلمانية الصريحـــة، وما بين الـتـهـديــد لـلإسـلامـيـيـن والمؤسسات الإسلامية بأنهم إذا لم يتوقفوا عن النشاطات الإيجابية في مجال الدعوة والحــركة فإن الأنظمة الحاكمة قد تضطر في نهاية المطاف إلى اللجوء إلى »الحل الأتاتوركي« أي إلى تبني العلمانية التقليدية بالنص في الدساتير والقوانين على تنحية الإسلام وعزله عن شؤون الدولة والحكم والمجتمع بكل مؤسساته، والوصول إلى الإقصاء الشامل لهذا الدين عن كل شؤون الحياة.خطورة التوجه العلماني الجديد:لكن هذا التوجه الأخير للطرح العـلـمـاني عـلـى خـطــورته المتمثلة في المصادمة الصريحة للإسلام، يبقى محدوداً من الناحية الكمية بالمقارنة مع الـتـوجــه العلماني الأخير الذي يحتل المساحة الكبرى في الكتابات الفكرية والإعلامية العلمانية، وأعني به تسريب هذا الفكر بشتى جوانبه وراء مجموعة من الأقنعة وأدوات التنكر والستائر التي تخفي حقيقة جوهره أو مقاصده وأغراضه البعيدة أو الجهات التي تحركه وتستفيد منه، وفيها جهات دينية غير إسلامية تتمسك بأديانها أشد التمسك، وتتعصب لها إلى الحد الممقوت، لكنها تريد للمسلمين أن يتحللوا من دينهم، وأن تنفصم عرى هذا الدين، ويـبـعـد عــن حـيــاة الشعوب وتوجيه مصائرها، وإذا كان الفكر العلماني الكلاسيكي محدود الطرح في الناحية الكمية حتى الآن، فإن الفكر المقنع منذ فترة طويلة ومازال أكثر انتشاراً لأنه لا يسعى إلى الـصـدام الـمـباشر الواضح مع العقيدة، بل يواصل عدوانه عليها، ويهاجمها بطريق غير مباشرة، فيقوض الطرح الإسلامي بطريق الإجهاض والإضعاف المستمر، دون أن يجازف بإثارة مشاعر الجمـاهـيـر المسلمة أو تحفيز طاقات رد الفعل الفكري الإسلامي، أو تنبيه المسلمين لما يراد بهم، بل ويـكـســـب فوق ذلك التظاهر بأنه تيار فكري محايد أو حتى »إسلامي مستنير«!!صور جديدة للخداع:وأقنعة العلمانية كما عهدناها متعددة وكثيرة ومتغيرة وفق الظروف والمناسبات، وتتيح هذه الأقنعة مزايا أخرى لأصحاب الفكر العلماني غير ما لاحظناه فيما سبق، فهي قبل كل شيء تمكنهم من الرد على دحض الإسلاميين لأفكارهم بمقولة أن الإسلاميين لا يفهمون العلمانية، أو يتعمدون الحط من شأنها بربطها بالفكر في الإسلام، بينما هي »في الحقيقة« (أي في القناع والفكر) لا تعني سوى التفكير الحر، أو الاجتهاد الذهني، أو الاستنارة العقلية، أو الموضوعية العلمية، أو الإصلاح الاجتماعي والديني!!... الخ.
ولقد شاهدنا في الفترة الأخيرة إحدى المجلات الشيوعية ترد على سلسلة مقالات لكاتب ومفكر إسلامي موضوعي فند فيها أفكار العلمانيين، باتهام الكاتب أنه »يزيف العلمانية« أي يتهم العلمانية، وينسب إليها ما ليس فيها على حد زعم المجلة وهذه هي فائدة أسلوب الأقنعة والتنكر، لأنه يمكن العلمانيين عند الرد الموضوعي والداحض والمفند لأفكارهم أن يتنصلوا منها بزعم أنهم إنما ليسوا سوى دعاة العقل والفكر والحرية والاستنارة والتقدم وما أشبه ذلك من المصطلحات والألـفـــــاظ العامة التي يطلقونها دونما تحديد اجتلاباً للأذهان، لكنهم يحددونها في الوقت الملائم وبالمعنى والمضمون الذي يختارونه ويكون أكثر المضامين فعالية وأثراً في وضع ومقام معين.
مزاعم علماني متفلسف:وفي هذا الصدد مثلاً ونحن نشير إلى أقنعة العلمانية واستخدامها التقنع والتنكر لأغراض مرحلية تتعلق بالرغبة في الانتشار والترويج واستمالة الأذهان وتجنب المواجهة المباشرة، أشير إلى واحد من أحدث هذه الأقنعة وربما كان من أطرفها، فقد عرف أستاذ جامعي مصري للفلسفة وهو غير مسلم اشتهر بهجومه على الإسلاميين منذ عقد الستينات العلمانية بقوله: إنها تعني التفكير في الأمور الـبـشـريــة النسبية والمتغيرة بطبيعتها من خلال فكر نسبي ومتغير، والابتعاد عن »المطلق« عند التفكير في هذه الأمور البشرية وتدبيرها وإدارتها، وهذا التعريف المبتكر للعلمانية يبدو مختلفاً تماماً وبعيداً كل البعد عن تعريفها التقليدي بأنها فصل الدين عن الحكم والدولة والمجتمع، لكنه بعد تحليله يصل إلى نفس الهدف وراء سحابة المصطلحات الفلسفية عن المطلق والمتغير والنسبي.
فصاحب هذا التعريف يصف العلمانية بأنها الـتـفـكـيــر في الشؤون البشرية ذات الطابع النسبي والمتغير بأساليب وأفكار مماثلة لها من حيث النسبية والتغير لكنه من المعروف أن المذاهب العلمانية المتنوعة وبالذات في المجالات »المتغيــرة والنسبية« كالسياسة والاقتصاد وقضايا المجتمع، اتسمت بأشد درجات الإطلاق والجمود والصلابة وعدم التغير بحيث كانت تضع نفسها في شكل دساتير وقوانين صارمة ثابتة تهيمن على حركة المجتمعات التي طبقت فيها وتعيد صياغتها بشكل كلي وشامل بحيث تتسق هذه المجتمعات مع تلك الأفكار النظرية المجردة، ولو كلف الأمر ملايين الضحايا البشرية ومحن واضطرابات تستمر عشرات السنين.
وليست التجربة الشيوعية فيما كان يعرف بالكتلة الشرقية الأوروبية عنا ببعيد، فالمذاهب العلمانية نفسها، وهي من وضع البشر لم تكن ترى في نفسها أنها أفكار متغيرة ونسبية جاءت لتحكم شؤون بشرية متغيرة ونسبية، بل على العكس فقد انتحلت لنفسها بالضبط ما تدعي العلمانية أن الأديان قد اتصفت به ألا وهو الـطـابـع الـمـطـلـق الشمولي الجامد الـمـسـتـعصي على التغير، وينطبق هذا حتى على تلك المذاهب العلمانية الـتـي ادعــت »الليبرالية« أو التحرر، إذ لم تخلوا هذه المذاهب من مطلقات مقدسة طرحت على أنها ثابتة ثبوت الدهــــور، وغير متغيرة مع تغير الظروف، بل وعلى أنها هي التي تحكم وتضبط وتوجه التغيرات وتهـيـمـن عليها لا تواكبها ولا تسايرها ولا تتغير معها، وهذه المقدسات معروفة حتى الآن في الحــرية الاقتصادية ونظام التمثيل البرلماني، وأفكار المساواة المطلقة والفردية، وأشهر مطلق من مطلقات الليبرالية بل ومن مطلقات الفكر العلماني نفسه هو مطلق فصل الدين عن الدولة.
وللماركسية والاشتراكية مـطـلـقـاتها الخاصة كما لسائر المذاهب والفلسفات العلمانية، بل إنهم يتبادلون الهجوم فيما بينهم بالإشارة إلى الطابع المطلق لكل منهم الذي يستعصي على التغيير والنسبية، ويقاومهما ويـصـــر لنفسه على احتكار الحق المطلق حتى في أدق الأمور الاجتماعية والاقتصادية وأكثرها عرضة لمجريات التغير والتبدل.
العلمانية والمطلق والنسبي:العلمانية إذن لم تكن أبداً إدارة أو تفكيرفي شؤون البشر المتغيرة والنسبية بأفكار وأساليب تشاكلها، بل على العكس كانت تتمثل في استبدال مطلق جديد (هو العلمانية) لمطلق قديم هو (المسيحية الغربية)، وما رافقها من أفكار ومذاهب سياسية واقتصادية وثقافية، ثم إن المذاهب العلمانية لم تنظر لنفسها على أنـهــــا مجرد تعبيرات ملائمة عن أوضاع نسبية ومتغيرة، تتغير وتتبدل وتمضي مع ذهاب هذه الأوضاع، بل على العكس اعتبرت نفسها مبادئ وخطوط عمل وإرشاد وتوجيه حاكمة وعامة، توجه وتقود وتشكل هذه الأوضاع، بل وتحكم كيفية ومسار تغييرها إلى أبد الآبديــــن، أو إلى الوصول إلى الفردوس الأرضي ونهاية التاريخ كما في الماركسية والليبرالية.
العلمانية إذن تحل لنفسها ما تحرمه على غيرها، وإذا نظرنا إلى الجانب الآخر من المسألة فلن نجد داعياً لوصف شؤون البشر بأنها نسبية ومتغيرة مهما كانت درجة التغير والتبدل التي تطـرأ على أحوال الأفراد والمجتمعات والأمم فوراء هذه التغيرات تقف (كما تقول لنا حتى فلسفات العلمانية ذاتها) قوانين كبرى ومبادئ عامة، وملامح مشتركة، تجعل من وجود أفكار وتعاليم مطلقة للتفكير في هذه الشؤون، أمراً مقبولاً، بل وضرورياً، ولا ننسى أن »ماركس« وهو أحد كبار كهنة الفكر العلماني الغربي قد ابتكر نظاماً مطلقاً محكماً ادعى أنه يقف بثبات وصرامة لا تتخلف وراء كل التغيرات التي تطرأ على المجتمعات فالمطلق أياً كان له مجال في التفكير في الشؤون البشرية والـمـطـلــق كذلك له مجال أكبر في مجال توجيه هذه الشؤون كما تدل على ذلك التجربة العلمانية ذاتها في النظرية والممارسة، ذلك لأنه إذا قبلنا بفكرة أن كل الشؤون البشرية متغيرة ونسبية، فإن ذلك لا يعني منطقياً أن تكون المبادئ التي توجه وتحكم هذه الشؤون متغيرة ونسبية مثلها، لأن الحكم والتوجيه والتدبير في حد ذاته يعني وجود درجة كبيرة من الثبات والهـيمـنـة، تتجاوز النسبية والتغير وتتعالى عليهما أو تقود التغيرات في مسار معين، وتبعدها عن مسار آخر.
والأكثر أهمية في ذلك هو بحث معنى »المطلق« وفق هذا التعريف الـمـبـتكر للعلمانية، فهل المقصود هنا هو »الإله« الذي تتحدث عنه الأديان التي يواجهها العلمـانـيـون رغم ضرورة الإشارة إلى اختلاف مفاهيم الألوهية بين الأديان وبالأخص بين الإسلام وبين سائر الأديان بما فيها تلك التي تسمى حالياً بالسماوية أم أن »المطلق« هذا هو الأفكار والمذاهب الدينية لاسيما ما يتصل منها بالتشريع والشؤون الاجتماعية المتنوعة، وفي هذه الحالـــة ينبغي الإشارة إلى وجود شريعة في الإسلام تختلف جوهرياً وبالنوع عن أي أفكار أخرى بدائية ومحدودة قد تحتويها الأديان الأخرى في مجال التشريع الاجتماعي، فالشريعة الإسلامية هي نظام كامل له منهاجه الخاص، ولا يمكن أن تختزل هذه الشريعة بوصفها بتلك الكلمة العامة الغامضة ذات الإيحاءات السلبية في دنيا الفلسفة وهي  عبارة »المطلق«، فالـشـريـعــة الإسلامية بالذات تحتوي على مستويات من المبادئ والقوانين والأحكام، وفيها من المرونة ومــن الـقـابلـيــــة للاستيعاب وتغطية المتغيرات، والتعامل معها من خلال أنظمتها هي كالاجتهاد وغيره مــــا يحول دون نشوء مشكلة التقابل الثنائي بين المطلق والنسبي التي يثيرها ذلك التعريف العلماني، وهو يحمل في ذهنه الأوضاع المسيحية الغربية.
وإياً كان ذلك »المطلق« فلا يعطينا تعريف العلمانية هذا مسوغاً لإبعاده عن شؤون البشر، سواء أكان تفكيراً فيها أو توجيهاً لها، مادام أن الـعـلـمـانية نفسها تقيم بعده مطلقاً أو مطلقات أخرى من صناعتها هي، أي أصـنـــام وثـنـيـة مادية لتحل محل الآلهة الغيبية (حسب تصورهم)، فلا جديد في المسألة.
تهافت العلمانية الجديدة:تعريف العلمانية الجديد هنا ينشيء عند تحليله تناقضات ومشكلات عديدة، كما أنه ينبثق عن نفس التعريف القديم، لكنه ليس سوى قناع أو تنكر له، فهو يطلق اسم المطلق على: الدين أو الشريعة أو العقيدة أو »الله«، وهو ذو إيحاءات سلبية كما قلنا ولاسيما في مذاهب الفلسفة الغربية الحديثة وفي مقابلة هذا المطلق توضح شؤون البشر المتغيرة النسبية (هكذا كل شؤون البشر متغيرة ونسبية عندهم بإطلاق!)، ثم تأتي العلمانية لتسمى في هذا التعريف بالأفكار النسبية المتغيرة والتي تصلح بذلك دون »المطلق« لتسيير وتفسير حياة البشر وشؤونهم.
إنها مجرد تسميات مختلفة، فبدل القول بأن الدين يجب أن يرفض وينحى من حـيـاة البشر لتحل محـلـه العلمانية، أو بالأصح مذاهبها المختلفة يأتي القول بأن حياة البشر متغيرة نسبية بإطلاق (!) في التغير والنسبية، وأن هناك اتجاهين يتنازعان تفسير وتسيير هذه الحياة، أحدهما »مطلق« لا يصلح لها والآخر مثلها متغير نسبي، فهو الأصلح والأجدر بها، هكذا تترجم العلمانية الكلاسيكية إلى صياغة تحاول أن تتجمل بمصطلحات الفلسفة ذات الإيحاءات والظلال المعينة دون أن يتغير شيء في المضمون.
لكن هذا التعريف الجديد أو القناع الجديد يحتوي مـــن التـنـاقـضـات أشد ما يحتويه التعريف الأقدم، لاسيما فيما يتصل بالإسلام، فشريعة الإسلام ليست ذلـك »المطـلق« البعيد عن دنيـا البشر وهمومهم وأوضاعهم بل هي وثيقة الصلة بها لا من حـيـث إنها تعكسها وتبررها وتواكبها بشكل ذيلي في تغيراتها كما يصور التفسير المادي المألوف، بل من حيث إنها تقودها وتوجهها وترقى بها وفق مشيئة وحكمة العزيز العليم الذي أوحــــى بـهــا، وشـــــؤون الـبـشر في هذا التصور الإسلامي ليست متغيرة نسبية بإطلاق، بل تطرأ عليها التغيرات وفق سنن ثابتة، كما تتفاوت التغيرات بين مادي واجتماعي ونفسي وعقدي وأخلاقي... كل له مساره الخاص ودرجته الخاصة في مدى التغير، والتغير فيها يمكن توجيهه والتحكم فيه على الأقل من الناحية المهمة كناحية الإيمان وإرضاء الله بالعمل وفق منهجه، والثبات في محن البلاء والاختبار المتنوعة.
وأخيراً فإن الأفكار العلمانية ليست نسبية التطور كما يزعم التعريف، بل هي تزعم لنفسها كما أسلفنا الإطلاق والثبات، أضف إلى ذلك السذاجة الفكرية المتضمنة في مقولة أن النسبي والمتغير لا يصلح للتفـكـيـر فيه سوى النسبي والمتغير فصاحب هذا التعريف وهو ماركسي النزعة يعرف أكثر من غيره أو هذا هو المفترض أن الماركسية وقبلها بدرجة أكثر الهيجلية قد حكّمت فكراً (أو ما أسموه بمنهج علمي) مطلقاً هو الجدل أو الديالكتيك بشقيه المنطقي والمادي في تفسير ما رأوا أنـــــه شؤون الحياة والتاريخ المتغيرة والنسبية، فالمتغير في هذه الفلسفات محكوم بقانون مطلق لا يجعل منه تغيراً بقدر ما يجعل منه ثباتاً يتجلى شيئاً فشيئاً إلى أن يظهر بكامله، كما أن النسبي عندهم لا يصبح نسبياً إلا عندما ينسب إلى إطار مطلق يحتويه ويتعالى عليه.
خدعة المجتمع المدني:في نهاية الأمر لسنا نواجه ســــوى قناع آخر من أقنعة العلمانية هذه المرة في ثوب فلسفي النقش، لكن الأقنعة لها ثياب متعددة، فهناك مثلاً الثوب السياسي الذي يفصح عن نفسه هذه الأيام في مصطلح كثر ترديـــده بـصــــورة ببغاوية حتى عد عند بعضهم وكأنه الحل السحري لكل الأزمات والمشاكل وفي مقدمتـهـا أزمة الإسلام، وأعني به مصطلح »المجتمع المدني«، فالدعوة إلى العلمانية هذه الأيام تتخذ شكل الإلحاح على إقامة أو تقوية ما يسمى »بالمجتمع المدني«، وليس المقصود بهذا المجتـمـع كـمـا قد يتبادر إلى الذهن أنه المجتمع الذي لا يسيطر عليه العسكريون بشكل مباشر أو غير مـبـاشــــر كـما هي الحال في معظم المجتمعات العربية، بل على العكس نجد أن أصحاب هذا المصطلح أو التعريف العلماني من أشد أنصار الحكم العسكري، لأنهم يرون في شراسة هذا الحكم وبـعـده عــن الالتزام بالقوانين وحقوق الإنسان، أكبر ضمانة للتصفية الجسدية للحركات الإسلامـيـة الـتـــي يناصبونها العداء والخصومة.
المجتمع المدني المقصود في هذا المصطلح الذي نجد له أوسع رواج الآن في بعض الصحف والمجلات والمنابر الناطقة باسم النخبة العلمانية، هو المجتمع اللاديني، ذلك لأن »المدني« عندهم لا يواجه »العسكري« بل يواجه »الديني« وقد اعتمد مطلقو هذا التعبير على ترجمة محرفة للاصطلاح الدنيوي أو غير الكنسي في بعض اللغات الأوروبية، الذي يقابل ويواجه »الكنسي« أو الديني فالدين عندهم يرتبط بما هو متصل بالكنيسة ورجالها (الكهنوت) الذين يشكلون بزيهم وتنظيمهم المستقل المميز سلكاً هو سلك الدين أو الكنيسة المتميز عن سائر المؤسسات الاجتماعية، كسلك الجيش أو ملاك الأراضي... الخ، وعند غيرهم يطلق عليه اسم »الدنيوي« (أي غير الديني) الذي تحور في الترجمة أو في التلاعب عند أصحاب التعريف أو الدعوة الجديدة إلى »المدني«.
والخلط هنا ينشأ من أن كلمة »المدني« في استخدامات العربية الحديثة تطلق أساساً للتفرقة بين ما ينتمي إلى السلطة العسكرية وما ينتمي إلى غيره كما قد يطلق على ما ينتمي إلى المدنية أو الحضر، أو ما يتسم بالصفات السائدة في تلك الأماكن، لكن »المدني« لا يعني في العربية »العلماني«، ومن هنا يأتي القناع أو التنكر، فهم يستخدمون تعبير المجتمع المدني لأنه سيجد القبول بإيحاءاته التي تعني  مجتمعاً لا يسيطر عليه العسكريون بالدكتاتورية والتسلط وكبت الحريات وفرض الرأي الواحد الخاطئ في معظم الأحيان، كما أن أصحاب المصطلح يساعدون على هذا الترويج بإكسابه إيحاءات أخرى ينظمونها حول لفظة »المدني« كالديموقراطية والحرية وتعدد الآراء والمناقشات والانفتاح السياسي والفكري، لكنهم عندما يتحدثون عن هذا المصطلح فإنما يقصدون كما يتضح من كتاباتهم العلمانـيــة أو اللادينية المجتمع الذي يفصل الدين عن حياته وينحيه بعيداً، وهكذا يظهر الـمـصـطـلـح جذاباً لبعضهم لكنه في نفس الوقت يؤدي نفس ما يؤديه التعريف الكلاسيكي للعلمانية.
وكما هو الحال في التحليل الـسـابق للتعريف الجديد للعلمانية، فإننا إذا حـلـلـنــا تعبير »المجتمع المدني« كما يستـخـدمه العلمانيون، فسنجده ينطوي على تناقضات تـهــوي بــه كـمـصـطـلــح جاء حسب استخدامهم أبسطها أن مفهوم »المجتمع المدني« كما يستخدم في الكتابات الاجـتـمــاعية الغربية يعني مجموع المؤسسات والهيئات والمنظمات والجمعيات والروابط المعروفة (الجــيش، الشرطة الجهاز الإداري... الخ)، ومــــن هــذه الناحية فإن المصطلح بمعناه الدقيق أو الـعـلمـي فـي الـكـتابات الأكاديمية يضم ولا يستبعد المؤسسات الدينية، كما يضم ولا يستبعد الأفكار والرؤى الدينية طالما أنها تشكل قسماً من نسيج هذا الشعب الذي يتشكل المجتمع المدني من تنظيماته.
وللعلمانية أقنعة أخرى تخفي وراءها طرحها الأساس والصريح الذي ما خرج هذه الأيام إلى طور العلن إلا كحلـقـة من حلقات المواجهة مع الإسلام كما يسمونها، والأقنعة ذات فوائد متعددة للطروحات العلمانية لكنها في المقابل ينبغي أن تكون بمثابة ساحة تدريب ودافع تنشيط للفكر الإسلامي في تتبعها ودراستها ودحضها وكشف ما وراءها، مع إظهار البديل أو بالأصــــح »الأصيل« الإسلامي الذي تحاول هذه الطروحات أن تشوه صورته أو تخفيه.

د. محمـد يحيى




حقيقة العلمانيين العرب
مما يحير المرء في شأن معشر العلمانيين : جماعات الشغب الثقافي ، والتفلت الأخلاقي في العالم العربي :

أن مشاغباتهم تأتي دائما في مغامرات من اللغو الذي لاطائل تحته ، ويحاولون أن يصنعوا من أنفسهم أبطالا للحرية ، من بطولات وهمية ليس من ورائها اختراع نافع ولا نقد بناء ولا كلمة حق أمام سلطان جائر ولا موقف شجاع ينصر فيه المظلوم من الظالم ، فمن أين يريدون أن يصيروا أبطالا ؟ لا أدري .

يقول محمد عابد الجابري في كتابه تكوين العقل العربي ( وانه لمما له دلالة خاصة في هذا الصدد أن تخلو الحضارة العربية الإسلامية مما يشبه تلك الملاحقات والمحاكمات التي تعرض لها العلماء ، علماء الفلك والطبيعيات ، في أوربا بسبب آرائهم العلمية ، ويكفي التذكير بما تعرضت له مؤلفات كبلر من بتر ومنع من طرف لاهوتيي عصره بسبب تأييده لنظرية كوبرنيك الفلكية المبنية على القول بثبات الشمس ودوران الأرض حولها ، عكس ما كان يعتقد قبل 00 أما في الحضارة العربية الإسلامية فعلى الرغم من أن فكرة كروية الأرض ودورانها كانت شائعة كغيرها من الأفكار العلمية المماثلة فإنها لم تثر أية ردود فعل لا من طرف الفقهاء ولا من جانب الحكام ) ص 345 مركز دراسات الوحدة .

وهذه ملحوظة مهمة جدا ، وهي من الأدلة والبراهين القاطعة على أن صراع العلمانيين مع الشريعة الإسلامية في بلادنا العربية ، ليس بسبب الجدل حول موقف الإسلام من التقدم الحضاري ولا العلوم العصرية النافعة ، وهي العلوم التي تدور في فلك دراسة الطبيعة واكتشافها واختراع ما يفيد الإنسان ، وتعتمد على المنهج التجريبي ، لان الشريعة الإسلامية لا تفرض أي تعارض بين الدين وبين هذه العلوم النافعــــــــــــة ـ بعكس ما كانت الكنيسة تفعل في افتراضها هذا التعارض في أوربا قبل الثورة على سلطان الكنيسة ـ بل الشريعة الإسلامية تدعو إلى تلك العلــــوم وتحض عليها ، وكلما كان العالم ملتزما بالإسلام كان أزكى عقلا فيها ، وأعظم نفعا للناس .

ولهذا لانكاد نجد أحدا في العالم العربي ــ مثلا ــ في مجال هذه العلوم النافعة نصب عداء للدين ، والسبب ببساطة أنه لم يـــر في الإسلام ما يشكل عائقا أمامه البتة ، وان وقع من أحد منهم مثل هذا العداء فانه بسبب انتماءاته السياسية أو الثقافية الأخرى لا بسبب الاكتشافات النافعة.

وانما غالب المعادين للشريعة الإسلامية وللتيار الإسلامي في العالم العربي هم قلة من جماعة (تجار الكلام ) ، جـــل ما لديهم مجرد الكلام المستمر، الممل والمكرور، في الصحف في السخرية والاستهزاء بالدين وأحكام الشريعة والتباهي بأنهم أصحاب قلم يدافعون عن التقدم والعصرنة.

فإذا فتشت عن عصر نتهم وتقدميتهم وجدتها تدور حول الدفاع عن كاتب طعن في القرآن لا من أجل أنه اكتشف شيئا يحرم القرآن اكتشافه ، بل لان المفكر الحر جدا !! الذي يدافعون عنه اكتشف فجأة أنه لم يرق له الإيمان بالبعث بعد الموت مثلا لانه تربى وهو صغير في مدرسة أجنبية أو تلقى ثقافة ملحدة ، فغرس في قلبه أن الأيمان بالغيبيات هو شيء سخيف لا يناسب الإنسان العصري .

كما تدور حول الدفاع عن حرية بيع كتب عن الجنس الرخيص ، أو أفلام من هذا النوع ، أو احترام رأي يدعو إلى اعتبار الرقص بين الجنسين اكتشاف عصري مذهل يعبر عن تقدم الدولة ، ونحو ذلك من القضايا في هذا المستوى أو دونه ، فلاجرم أن ينصبوا العداء للديـــــن إذن .

وقد أهدروا أوقاتهم في اختلاق صراع مع الدين بلا فائدة ، ويضيعون أوقاتنا معهم في قراءة ما يكتبون والرد عليهم خوفا على ضعفاء الأيمان من شبهاتهم .

أما الاكتشافات العلمية النافعة فلا ناقة لهم فيها ولا جمل ، ولاحتى يحسنون أن يضيفوا إليها شيئا مفيدا ، أولا لان هذه ليست صنعتهم إذ لو كانت لهم صنعة مفيدة لحجزتهم عن مشكلة الفراغ التي جعلتهم من تجار الكلام .

وثانيا لانهم انشغلوا بشيء آخر ، انشغلوا بمعاداة دينهم متوهمين أنهم أبطال المعركة مع التخلف يقودون الشعب إلى النور والمستقبل ، متخيلين أنهم سينقذون أمتنا من مثل قوى الظلام التـــــــــي اضطهدت (جاليلو)00 مساكيـــــن !

قرأت لواحد منهم ذات مرة مقالا يبكي فيه على العلماء ـ كما زعمهــم ـ الذين قتلوا لانهم صرحوا بمعتقدا تهم في غابر التاريخ ، وينادي من قلب يعتصر ألما لإنقاذ الأمة من اضطهـــاد العلمــاء والمفكرين ، أتدرون أي علمــاء يقصــد ؟؟ مثل الحلاج والسهر وردي وابن عربي 00 حفنة من الزنادقة والسحرة لم يحسنوا سوى الدعوة إلى الإلحاد ، ويعدونهم طليعة التفكير الحر في التاريخ الإسلامي 00 لعمرك انهم لفي سكرتهم يعمهون .

فقلت في نفسي لاتخف أيها المخترع الكبير المضطهد والبطل القومي !!! انك متى قررت أن تكون مثل العلماء من الخوارزمي إلي السموأل في علوم الجبر ، وابن الهيثم في علوم البصريات ، وكل من اشتغل بالنافع من علوم الطب والفلك والجغرافيا 00الخ فلن يمسك سوء ، كما لم يمس أولئك سوء في تاريخ الإسلام كله ، بل كانت الحضارة الإسلامية هي التي احتضنتهم ـ حتى غير المسلمين منهم ـ وهيئت لهم أجواء حرية البحث العلمي ، لكن مصيبتنا معكم أنكم لا تحسنون سوى السخرية من الدين وحجاب المرأة ونحو ذلك وتعدون هذه علومكم الباهرة التي تخافون على أنفسكم من الاضطهاد بسبب اكتشافها؟؟

انهم لا يزيدون على استنساخ التناقض الغربي نفسه الذي صفق لنجيب محفوظ لاكتشافه العظيم !! في رواية (أولاد حارتنا) ، وصفق لنصر أبو زيد لاكتشافاته المذهلة في الاستهزاء باليوم الآخر !! وفعل مثل ذلك لسلمان رشدي ، وسائر الأذناب ، زاعما أنهم مفكرون أحرار ، ثم هذا الغرب نفسه يقتل 6000 طفل عراقي كل شهر بسبب الحصار ، ويسحق بدعمه للكيان الصهيوني شعبا بأكمله ، وينفق على التسلح لإرهاب العالم آلاف المليارات ، ويلقي بمليارات الأطنان من منتجاته الغذائية في المحيطات حفاظا على أسعارها ، بينما تموت شعوب تحت الفقر والجوع والتخلف ، ويدعي مع ذلك أنه العالم الحر المتحضر .

وخلاصة وصفهم أن الغرب أرادهم أحرارا عندما يطعنون في دينهم ، وأرادهم عبيدا لــه في كل ما سوى ذلك ، فكانوا كما أرادهم في كلا الأمرين ، ثم يتفاخرون علينا متباهين أنهم أبطال الحرية !!

الشيخ / حامد بن عبدالله العلي

إرسال تعليق

الموقع غير مسؤل عن اى تعليقات ولتتذكر قول الله تعالى (( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))

 
Top